مهرجان سوريا للأفلام يعود بدورته السادسة في تورنتو
عُلا برقاوي، كاتبة وصحفية فلسطينية – سورية مقيمة في تورنتو
تنطلق في شهر تشرين الثاني المقبل فعاليات مهرجان سوريا للأفلام، لتقديم عروض سينمائية في مدينة تورنتو تستمر لأيام ثلاث متتالية. يستقطب المهرجان في دعوة أطلقها بداية شهر نيسان الفائت، المخرجين وصنَّاع الأفلام من أي مكان في العالم، ويدعوهم للتقدُّم بأعمالهم قبل تاريخ 31 تموز المقبل للمشاركة في المهرجان بدورته السادسة. يركز المهرجان في عروضه على الأعمال السوريَّة، القصيرة والطويلة والوثائقية والمتحركة، ويعود في الخريف القادم بعد غياب دام عامين بسبب جائحة كورونا التي أثرت على معظم الفعاليات الثقافية والفنية في تورنتو.
تعود التجربة الأولى لـ مهرجان سوريا للأفلام إلى العام 2015 عندما أسَّسه مجموعة من متطوعين سوريين وفلسطينيين مقيمين في كندا، يطمحون للتعريف بما يحدث في سوريا من خلال السينما، ويحاولون نقل حكايات وتطلعات وكفاح السوريين للجمهور الكندي الراغب بمعرفة المزيد عن نضالات الشعب السوري من أجل الحرية. وقد تم تنظيم المهرجان بشكل سنوي حتى العام 2019 ليقدم كثيراً من العروض السينمائية التي تحكي عن موضوعات تتناول الشأن السوري، ثقافية كانت أم اجتماعية أم سياسية، تلقي الضوء على قضايا عدة أبرزُها ما يتحدث عن المرأة السورية وقضية المعتقلين واللجوء ومعاناة السوريين في الداخل. كما استضاف المهرجان ناشطين ومخرجين وعدداً من الممثلين السوريين مثل يارا صبري وجهاد عبده، للمشاركة في حلقات نقاش وندوات حوارية بالموازاة مع عروض الأفلام.
يسعى منظمو المهرجان إلى بناء جسور للتواصل بين المجتمعين السوري والكندي في تورنتو، من خلال تقديم عروض سينمائية تشجع الحوار والنقاش الفكري حول العدالة وحقوق الإنسان والمواطنة. تقول رزان حَمَد، عضو مجلس الإدارة في مهرجان سوريا للأفلام والتي تقيم في تورنتو منذ العام 2011: ”كنا خمسة أو ستة أشخاص، عندما اجتمعنا أوائل عام 2015 لنقاش فكرة إطلاق المهرجان، أردنا أن نجد سبيلاً يظهر الجوانب الأخرى من حياة السوريين، ويكشف جوانب مختلفة عن كل ما تتداوله بشأنهم وسائل الإعلام أو الأنشطة الثقافية التي كانت منتشرة بكثرة. دون أن نعلم آنذاك أنه يوجد هذا القدر من الأفلام الاحترافية التي تتناول موضوعات شتى عن سوريا. وأن هناك كثيراً من صناع الأفلام السوريين القادرين على تقديم أعمال بعيدة كل البعد عن عمل الهواة، وجديرة بالمشاركة في مهرجانات هامة. أردنا أن نكون جزءاً من ذلك، وأن نُعرِّف بمعاناة السوريين وما حدث معهم منذ العام 2011 وندعم في الوقت ذاته إنجازات ومجهودات صناع الأفلام المهتمين بالشأن السوري“.
لا يفرض منظمو المهرجان على المشاركين لدى التقدم بأعمالهم تناول ثيمة محددة لعرضها هذا العام، بل يتم اختيار الأفلام المشاركة حسب الموضوع المشترك بينها قدر الإمكان، مع الحرص على عرض موضوعات أخرى تتناسب مع التوجه العام للمهرجان والرؤية التي يحملها. كما أنهم مهتمون إلى جانب عروض الأفلام، باستضافة مخرجي الأفلام المشاركة وتنظيم ندوات وحلقات نقاش جانبية في هذه الدورة أيضاً. إضافة إلى رغبتهم بعرض مزيد من الأفلام التي تتناول مختلف الجوانب الثقافية في سوريا أو التي تستعرض حضارتها ومكانتها التاريخية، لكن ذلك يحتاج مزيداً من الأفراد العاملين في المهرجان، ويستلزم الكثير من العمل من أجل تجاوز العراقيل المتعلقة بالتمويل والدعم. تقول حَمَد في حديثها لمنصة حنّا: ”نريد أن نتحدث عن سوريا أكثر، خاصة بعد أن أصبح الاهتمام بالمأساة التي حدثت للشعب السوري أقل خلال السنوات الماضية. نرغب بعرض أفلام ترويجية تتحدث عن سوريا وحضارتها، كما نتطلع إلى عرض أعمال سينمائية تتناول الظلم الذي تتعرض له الشعوب في بلدان أخرى مثل فلسطين واليمن، لكن ما يمكننا التركيز عليه الآن بحسب ما يتوفر لدينا من إمكانيات هو ما حدث وما يزال يحدث في سوريا، وعرض معاناة السوريين في بلدهم وفي جميع الأماكن التي أجبروا على اللجوء إليها خلال السنوات الإحدى عشر الأخيرة“.
يواجه المنظمون صعوبات في الوصول إلى صناع الأفلام لعرض أعمالهم في المهرجان. ويأملون في أن تصل أصداء الأعمال السينمائية السورية إلى مختلف شرائح المجتمع الكندي، بخاصة مع انخفاض الرغبة لدى كثير من الكنديين مؤخراً في التعرف على سوريا وعلى تجربة السوريين وقصص هروبهم وما شهدوه خلال رحلات لجوئهم إلى كندا، بعد أن كان ذاك الاهتمام في أوجه إثر موجة اللجوء السوري في العام 2015. تقول حَمَد: ”نحاول أن نساعد من كان داخل سوريا أو خارجها، دون أن ينكر أحد علينا حقنا في المشاركة لأننا في بلدان تهيء لنا ظروفاً أفضل في حرية التعبير والتفكير، وبيئةً تمكننا من التحرك في مجال صناعة السينما بشكل أفضل.. نحن هنا لا نواجه أياً من تلك الصعوبات التي يواجهها السوريون في الداخل لإيصال الحقيقة، لذا نحاول أن ندعم أي شخص يريد أن يقدم عملاً سينمائياً سوريَّاً. وقد ننجح أيضاً في دعم القادمين الجدد إلى كندا إذ يلتقون في المهرجان مع أفراد من منظمات إنسانية تعنى بدعم اللاجئين، في الواقع هذا واحد من الإنجازات البسيطة التي استطاع المهرجان تحقيقها في دوراته السابقة التي لاقت أيضاً إقبالاً وحضوراً لافتاً من قبل كنديين وسوريين على حد سواء“.
حتى ولو كان الجهد المبذول بسيطاً مقارنة بحجم المأساة السورية.. ما يهم منظمي مهرجان سوريا للأفلام هو أن تساعد السينما في إبقاء القضية السورية حيَّة ومتداولة لدى القدر الأكبر من الناس. ما حدث في سوريا هو مأساة كبيرة ذات تأثير عميق في النفوس، لكنها لم تحظ بالاهتمام اللازم. صحيح أنها ألقت بظلالها على المشهد السياسي في مختلف دول العالم، لكنها لم تلقَ الدعم الحقيقي بقدر الألم الذي خلَّفته. هذا ما يدفع القائمين على المهرجان إلى محاولة إحداث تغيير ما مهما كان حجمه، وإيصال كلمة السوريين.. ربما من خلال تحفيز منظمات إنسانية أو أفراد على تقديم مزيد من المساعدة، أو من خلال تعريف عدد من الحضور ممن لا يزالون يجهلون كثيراً مما جرى أو يجري في سوريا، على أمل أن يخبر أولئك غيرهم أيضاً.