كوفيدي شو: الضحك ما بعد الجائحة

بهيج وردة

بعدما رفع الأصدقاء في «أبجد هاوس» والشركاء في «حنّا» راية «فوّلنا» (Sold Out)؛ صار بمقدوري الحديث بحيادية عن «منشر غسيل» (ستاند أب كوفيدي شو) الذي سيقدم أمام الجمهور يوم الأربعاء 12 آب/أغسطس القادم في كافيه شي تيتا، الساعة 7 مساءً، في مونتريال. 

لم يحتج العرض إلى الكثير من الدعاية، لأن العرض السابق «منشر غسيل» في 26 حزيران/ يونيو، كان دعاية تناقلتها الآذان من شفاه الحاضرين. وبالفعل بعد أيام قليلة نفذت البطاقات (فُتح باب الحجز الجمعة 30 حَزِيران، وأُغلق الأربعاء 5 آب، فيما العرض يوم 12 آب). 

عرض «منشر غسيل» (الذي قدمه إلياس صدقني، وكريم حمدي، وساندي بيطار، وبوعلي مبارك، ورانية الحلو، وجوني الحاج) بدأ كفكرة للخروج من إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضها الحجر الصحي على العالم. ومع بدء رفع القيود رسمياً عن التجمعات في الأماكن العامة في مونتريال زادت رغبة الناس بإجراء لقاءات خارج حدود الويب كام. 

إلا أن الإقبال على العرض فرض عرضاً ثانياً على المجموعة تمت إضافته لاحقاً، خصوصاً أن «منشر غسيل» هو أول عرض رسمي للمجموعة بعد عام ونصف من عرضهم الأول في جامعة كونكورديا (نظمه المركز الثقافي العربي الكندي وحمل عنوان «ها ها ها بالعربي»)، والذي لم يُتح لكثير من الجَمهور مشاهدته لأنه عُرض لمرة واحدة فقط، ثم جاءت «الكورونا» التي أدخلت العالم في نفق الحجر الصحّي. 

في الستاند أب كوميدي تكمن فرادة العروض في أنها تُختبر أمام جمهور يتغير بتغير الأمكنة. يُتاح للكوميديان هنا اختبار النكات والمواقف التي يلقيها على الجمهور، لتكون أكثر قدرة على جذب الاهتمام والمزيد من الضحك، أو يفرض عليه الموقف تغيير السياق أو الحذف أو إعادة النظر أو إعادة الصياغة، حيث تكون كثير من المواقف كوميدية في رأس كاتب النكتة إلى أن يختبرها أمام الحضور. 

ربما يمكن القول أن تقليداً عربياً خالصاً فيما يتعلق بالستاند أب كوميدي لم يتبلور حتى الآن. قد يكون سبب ذلك هو حداثة عهد هذا النمط من الكوميديا الارتجالية باللغة العربية (كما تصنفها نتفلكس، وهي ترجمة مغلوطة للستاند أب، فيما تعتمد في الواقع على التحضير العميق!) وذلك على الرغم من وجود تجارب ناضجة مبكرة كتجربة قناة كوميدي سنترال العالمية التي قدمت مجموعة لافتة من الكوميديين العرب، وتجارب باسم يُوسُف في رعاية بعض التجارب. 

الستاند أب كوميديان السوري عمار دبا أشار في حديث لمنصة حِنّا إلى أن «بداية الستاند أب في المنطقة العربية تعود إلى Axis of Evil وهي جولة كوميدية (بدأت في 11 نوفمبر 2005) ضمت أربعة كوميديين من أصول شرق أوسطية مع عدد من الضيوف. حملت هذه الجولة اسمها  من خطاب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الذي وصف العراق وإيران وكوريا الشِّمالية بأنها “محور الشر”. التأثير الأكبر لهذه التجربة كان في تشجيعها تجارب عربية على الانطلاق كتجربة «موجة كوميدي» في مصر، و«جدة كوميدي كلوب» في منطقة الخليج، وغيرها من التجارب في العالم العربي». 

في العام 2018 اختارت شبكة «نتفلكس» تسجيل أربعة عروض باللغة العربية ضمن سلسلة عروض كوميديـّـو العالم، ضمن مهرجان «فقط للضحك» (Just For Laughs) في مونتريال. جمعت هذه العروض كلاً من ابراهيم الخيرالله، وروسن حلاق، وعدي خليفة، ومؤيد النفيعي، وعُرضت في العام 2019. 

عرض «منشر غسيل» في هذا السياق يستحق أن يكون ضمن العروض المعيارية التي يمكن القياس عليها في هذا النمط الذي يشهد إقبالاً أكبر في العالم العربي، أو بين المتحدثين بالعربية حول العالم. ليست الدعوة إلى جعل منشر غسيل عملاً معيارياً نابعة من انحياز لتجربة أصدقاء أو شركاء فقط، وإنما  وجود عروض أخرى في العالم يمكن أن يطلق عليها صفة «مرجعيات سامّة». من هذه العروض ما قدمه عادل كرم في لايف من بيروت، وتم الترويج له كأول ستاند أب كوميدي عربي على شبكة «نتفلكس»، بيد أنه كان مليئاً بإهانة النساء والبذاءة اللفظية الخارجة عن سياق الموقف. 

لا أذكر هذا المثال للترويج، وإنما كدعوة للبحث عن مرجعيات بعيدة عن برنامج كرم، الذي استضافته شبكة «نتفلكس» التي تحظى باهتمام جيل كبير من الشباب. 

لا بد من مشاهدة نماذج مختلفة من الكوميديا للخروج بتجربة متوافرة بلغات أخرى، وتحديداً الإنكليزية واستخدام كلمة Fuck مثلاً، للإحاطة بكيفية إضحاك الجَمهور دون شتيمة أو إساءة أو استخدام لذكورية سامة لدى تناول مواضيع تتحدث عنها بعيداً عن الميكروفون بينما يتحدث عنها الستاند أب بحرية أكبر على الميكروفون. 

هنا يبدو الكوميديان بطلاً من كلام. تحبه لأنه لا يخشى ثالوث المحرمات ولكنه يراعي الفُرُوق البسيطة (والمهمة جداً)، إذ تبدو المسافة بسيطة بين التحرش والذكورية، والوضوح أو المواربة من جهة، وبين الحديث عن الأعضاء الجنسية من جهة أخرى، إلا أن ما يميز هذه المسافة هو السياق.

«منشر غسيل» حسبما أزعم كمتلق، لا يتحدث الكوميديون فيه (القادمون من سوريا، ولبنان، والمغرب، ومصر) بقصدية عدم خدش الأخلاق العامة (وتعريفها الفضفاض والمختلف عليه بين العالم العربي وكندا التي يعيشون فيها)، إنما تأتي الألفاظ في سياقها المناسب، إذ كيف يمكن لك أن تتحدث عن وضع سياسي واجتماعي واقتصادي متأزم في معظم بلدان العالم العربي على سبيل المثال، ولا تصفه بالــ «خرا» مثلاً! 

كدت أن أقول لا تفوتوا هذا العرض لأهل مونتريال إلا أني تذكرت أن البطاقات مباعة بالكامل، لكن هذه الدعوة قائمة لأهل تورنتو الذين سيتاح لهم فرصة حضور هذا العرض يوم الثلاثاء 24 آب/ أغسطس القادم.












اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى