موسيقانا البديلة تحاول عبور المحيط
مرسم كندا.. محاولة للتأثير من خلال الفنون
من أصل 38 مليون شخص يعيش في كندا، هناك نحو مليون شخص من أصول عربية أو من بلدان ناطقة بالعربية. تعد كندا بلداً للمهاجرين المستوطنين من جميع أصقاع العالم، ويحاول فيها أصحاب الهويات المختلفة التعبير عن ذواتهم وإظهار أصواتهم عبر أنواع مختلفة من الفنون والأعمال الثقافية. ورغم أن جمع الناطقين بالعربية في خانة واحدة ليس سديداً في ظل اختلاف ثقافاتهم وأوضاعهم السياسية والاقتصادية، إلا أن ثمة محاولات لإيجاد التقاطعات بين أبناء هذه الجالية للتمكَُن من إبراز أنفسهم في المشهد الكندي بما يتسق مع الخطاب الثقافي والسياسي المحلي في هذا البلد.
بعد موجات الهجرة التي تصاعدت في السنوات الأخيرة، يحاول النشطاء والفنانون المهتمون بالشأن العام والمشغولون بتحرًّر بلادهم التي غادروها أو هُجّروا منها إيجاد أرضيات تجمعهم وتمكنّهم من إيجاد التقاطعات فيما بينهم والتأثير في المشهد الكندي. تعد الموسيقا البديلة واحدة من الأدوات التي تجمع هؤلاء النشطاء والفنانينـ/ات. جمهور هذه الموسيقا في اتساع، وهي تحمل مضامين أكثر تعبيراً عن أحوالهم من الموسيقا التقليدية.
أدرك مرسم كندا أهمية هذه الأنواع من الفنون، ويحاول القائمون عليه إقامة فعاليات وحفلات تستضيف فناني وفنانات هذا النوع من الموسيقا في المدن الكندية. أعلن مرسم كندا عن انطلاقته في آذار الفائت كـ”جهةٍ مُنظِّمةٍ للعروض الموسيقية النابضة بالحياة”، بعد عام كامل من العمل على تأسيسه كشركة شقيقة لـمرسم يو كيه/بريطانيا النشط منذ العام 2015. أول حدث نظمه مرسم كندا كان استضافة فنان الستاند أب كوميدي الفلسطيني علاء أبو دياب بتاريخ 21 أيار الفائت في عدة مدن كندية، خلال عروض بيعت تذاكرها بالكامل. وسيستضيف مرسم كندا تريو جبران في السادس عشر من شهر تموز المقبل، كحدث يأمل منظموه بأن يجمع شرائح متعددة من العرب، ويُعرِّف الكنديين على نوع مختلف من الموسيقا العربية. تتقاطع رؤية مرسم كندا مع منصة حِنَّا من ناحية إدراك أهمية هذه الموسيقا التي تلتف حولها شرائح واسعة من الأجيال الشابة، بسبب مضمونها الخاص/العام الذي يعبّر عن هذه الأجيال ويحاكي هموها. وأدى التشابه في الرؤى إلى عقد شراكة استراتيجية بين حَنَّا ومرسم كندا، تقوم على التكامل والدعم المشترك في تنظيم النشاطات والأحداث الفنية في المدن الكندية.
بالنسبة لدينا الور وناجي رزق، وهما شريكان مؤسِّسان لمرسم كندا وتجمعهما صداقة قديمة، كان عمل مرسم بريطانيا ملهماً لهما. تابعا أنشطته وفعالياته وعروضه التي قدمها على مدى سنوات واتفقا على طرح فكرة تأسيسه في كندا.
يقول ناجي في حديث إلى منصة حِنّا: ”شجعتني دينا على متابعة عمل مرسم بريطانيا وهذا ما فعلته لأكثر من 5 سنوات. لطالما تساءلت، لماذا لا يوجد شركة مثلها في كندا؟ هناك أنواع من الفنون أرغب أنا وكثيرون غيري برؤيتها هنا. وتأسيس مرسم إلى كندا سيكون عنصراً فاعلاً مؤثراً في تورنتو، إلى جانب ما تقدمه الفرق الفنية أو المنظمات أو المنصات الإعلامية. كثير منا يريد فناً موجهاً للعرب هنا.. تحمسنا أنا ودينا كثيراً للفكرة، وأجرينا محادثات طويلة مع مرسم بريطانيا، انتهت بالاتفاق على تأسيس مرسم كندا“.
يُعرِّف مؤسسو ”مرسم كندا“ عن أنفسهم كمنظِّمي حفلات وعروض يحاولون نشر ثقافة الفن والموسيقا العربية البديلة والمستقلة، وملء الفراغ الذي يخلقه نقص تمثيل الجالية العربية في كندا، والتأكد من أن بإمكان الكنديين أن يروا خصوصية الفن العربي بالشكل الذي هو عليه فعلاً. تقول دينا: ” كان العطش والإقبال على هذا النوع من العروض دائماً دافعاً رئيسياً للتحرك. أنا واحدة من بين كثيرين يرغبون في أن يستمعوا للموسيقا التي لطالما أحببناها في بلادنا، ويشاهدوا الفنون والعروض التي يعرفونها ويألفونها حقاً. لدينا فن عربي خاص يحمل رسائل قوية.. سئمنا من كوننا غير مرئيين بالشكل الذي يجب أن نكون عليه. نريد أن يتم أخذنا بعين الاعتبار، وأن يكون فننا مرئياً في شوارع تورنتو ومقاهيها ومسارحها“.
ردود الفعل من قبل الجمهور العربي على استضافة علاء أبو دياب كانت مفاجئة بالنسبة لناجي، ومشجِّعة لجلب مزيد من الفنانين المؤثرين العرب بشكل متجدد ودوري إلى تورنتو، يقول إن ”تقديم مشهد الفن العربي ما يزال محصوراً على نحو ما ضمن نطاق ضيق في تورنتو. كما أن استضافة فرق مثل 47 سول أو مشروع ليلى قد يحدث مرة كل عدة أعوام. تفاجأنا بتنوع الأجيال التي كانت بين الحضور في عرض علاء أبو دياب، رغم أن علاء لم يكن معروفاً بهذا الشكل الواسع ضمن الأوساط العربية هنا، لكن جميع البطاقات كانت مباعة قبل أسبوعين من موعد العرض. يُنبِّهنا هذا إلى حاجة العرب هنا بمختلف أعمارهم وفئاتهم وتوجهاتهم إلى عروض كهذه. لكن علينا في الوقت ذاته ألا نوجه أنظارنا ومجهوداتنا نحو الجمهور العربي فقط، بل يتوجب أيضاً أن نعرِّف الكنديين بالفن العربي الجيد الذي يحمل قيمة عالية“.
ثمة مجموعات متنوعة تضم شابات وشبان نشيطين وطموحين في تورنتو ومونتريال، تتشارك فيما بينها شعوراً بالمسؤولية نحو خلق مجتمع يقدم لهم مساحة بإمكانهم التعبير عن أنفسهم من خلالها. ترى دينا أن تلك المجموعات لديها ”الشغف المشترك والكافي للتعاون فيما بينها وتحقيق أهدافها في إيصال الكلمة والفكرة والموسيقا إلى أكبر قدر من الناس.. بإمكانها الاتحاد سويَّة لتقديم أنواع فنون متجددة ومستمرة على مدار العام، لتبرُز كصوت يمثل المجتمع العربي الذي يتسع بأفراد جدد يوماً بعد يوم، وتوفر لهم مكاناً للتعبير والالتقاء وتبادل الأفكار“.
تلك واحدة من عدة رؤى يحاول مرسم كندا تحقيقها بحسب ناجي، يضيف: ”نحاول أن نأتي بجمهور ميسيساغا إلى داون تاون تورنتو. وأن نمنح فرصة للفرق المحلية بإقامة حفلاتها في مسارح هامة، وبعرض أعمالها للجمهور العربي والكندي. نحرص في اختيار تلك الفرق والشخصيات بحيث يكون من شأنها استقطاب مختلف الأعمار أو الشرائح أو الثقافات، والتي تقدم رسائل قوية وهامة يجب على الجميع الاطلاع على فحواها. هذا ما ننتظره من تريو جبران، التي قد تجتذب جمهوراً ربما يكون مشتركاً في توجهاته مع فرق شكون و47 سول على سبيل المثال“.
لا يستطيع الفن أن يجمع أشكالاً مختلفة من المجتمعات في مكان واحد فحسب، بل بإمكانه أيضاً سدّ الفجوة بين أجيال وثقافات ومجتمعات. ترى دينا أن ”بإمكان فرقة موسيقا عربية تقدم عرضاً على مسرح ما في تورنتو أن تعيد خيالاتنا إلى البلدان التي نشأنا فيها وما نزال نشتاقها.. عندما تأتي عروض تشبهنا وتلمس عمق ذاكرتنا إلى قلب المدن التي اغتربنا فيها.. بإمكان الفنون تغيير التصورات المسبقة السائدة عنا، والتذكير بنا كأفراد فاعلين لديهم أحلامهم وتطلعاتهم وإنجازاتهم، وهذا قد يمنحنا ذلك شعوراً أقل بالوحدة“.
كثيرة هي التحديات التي تواجه الراغبين في تنظيم أنشطة وفعاليات فنية وثقافية في كندا. ابتداء من صعوبة استقطاب جمهور كاف من الجالية العربية المتوزعة في مدن عدة، ومروراً بعراقيل التمويل أو المردود الشحيح الذي تؤمنه تلك الفعاليات، والذي من شأنه أن يجعل من مهمة الاستمرار في تنظيمها على مدار العام أصعب، ناهيك عن صعوبات تأمين المسارح وأماكن العرض بتكاليف ومواعيد مناسبة خاصة في فصلي الربيع والصيف. يقول ناجي: ”لا نستطيع تنظيم العروض دون مواجهة تلك التحديات ومحاولة التغلب عليها. خاصة وأن تكاليف سفر الفنانين وإقامتهم في الفنادق وتنقلهم بين المدن مرتفعة في كندا مقارنة بما هي عليه في أوروبا. هذه أعباء تزيد من صعوبة تنظيم أنشطة موجهة للجالية العربية. ما نستطيع فعله حتى الآن هو محاولة التعاون وعقد شراكات مع منظمات وجهات وشركات ناشطة ومتقاطعة في الرؤى إلى جانب مع ما يتوفر لدينا من أدوات، في محاولة لتخفيف تلك الأعباء قدر المستطاع“.