ما الذي يهدد الكفالة الخاصة للاجئين بالفشل؟
ستيفن وات
أحد مؤسسي جمعية نورثن لايت المعنية بالعمل على تأمين كفالات خاصة للاجئين في تورنتو.
يُعدّ ترحيب كندا باللاجئين والقادمين الجديد، في بعض جوانبه، واحداً من أكبر قصص نجاحاتها ومصادر فخرها على الصعيد الوطني. ولا شك أن برنامج الكفالة الخاصة يُعتبر واحداً من أهم الإنجازات الكندية، وهو برنامج حاولت دول عدة تقليده (مثل فرنسا وأستراليا ودول أخرى) لكن دون أن يلقى النجاح ذاته. ثمة شيء يشبه البصمة الكندية على هذا البرنامج قد لا يتوافر في بلدان أخرى قد تفتقر إلى ثقافة الترحيب بالأجانب كما هو الحال في كندا.
ولكن، قبل أن تتجاهلوا هذا المقال باعتباره دعاية لكندا، دعوني أوضح جميع جوانب القصة. كشخص قضى أكثر من خمسة أعوام في برامج الكفالة، ويقضي الآن معظم وقت فراغه بالترويج لفضائل الكفالة الخاصة، أظن أنني عاينت نتائج متباينة للعمل الذي أقوم به. هذا أمر متوقع، فالبشر هم أكثر المخلوقات تعقيداً في هذا العالم. وحين تسوء الأمور، فإنها تسوء للغاية.
في معظم الأوقات، تكون تجارب الكفالة الخاصة بين اللاجئين والكفلاء ناجحة وطيبة كما كان متوقعاً لها أن تكون. حين يصل اللاجئون إلى كندا يحصلون على الإقامة الدائمة – اللجوء. وخلال عام من وصولهم، يكونون في العادة قد قطعوا شوطاً جيداً في مسيرة استقرارهم وتأسيسهم في هذا البلد الجديد. وخلال نحو ثلاثة أعوام، يكونون قد اقتربوا من الحصول على الجنسية الكندية. وحتى بعد هذه المدة، يُرجح أن يظلوا قريبين من كفلائهم الكنديين الذين رحبوا بهم كجزء من العائلة.
إلا إن وضع العلاقة بين اللاجئ والكفيل في سياق العلاقة العائلية قد يضع الكفالة الخاصة في خطر في بعض الأحيان، بناء على شخصية اللاجئ أو الكفيل. قد تسمع كثيراً من الكفلاء أو اللاجئين جُملاً من قبيل: “إنهم بمثابة العائلة بالنسبة لي”. يمتلك هذا التعبير كثيراً من المعاني، اعتماداً على الشخص الذي يقوله. قد يعني أحياناً أن العائلة الكندية قد تحتاج إلى النصيحة من العائلة اللاجئة. إلا أنه في معظم الأحيان يعني العكس، أي أن الكفلاء يجدون أنه من الطبيعي والمنطقي تقديم النصح والإرشاد للاجئين فيما خص موعد نوم أطفالهم مثلاً (وهو موعد قد يخالف ما تعود عليه هؤلاء الأطفال)، وذلك حرصاً على أدائهم الدراسي.
بعبارة أخرى، هناك اختلال شبه حتمي ربما في توازن القوى بين اللاجئ والكفيل، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى حصول مشاكل. على سبيل المثال: جيراني قرروا كفالة عائلة كبيرة عبر برنامج الفيزا المختلطة. كانت هذه العائلة تعيش في مخيم للاجئين وكانت في وضع سيء تفتقر فيه إلى التعليم وتواجه تحديات صحية.
وضع جيراني جهداً كبيراً في محاولة تأمين العائلة لدى وصولها، إلا أن الأمر لم يخلُ من بعض المنغصات. لقد رفض الأب في هذه العائلة تلقي الأوامر من الكفيلات النساء اللواتي ناصرن زوجته، التي كانت أكثر جاهزية منه في عملية الاندماج في هذا البلد. وحين كان الكفلاء يزورون العائلة، برفقة نساء يقمن بمهمة الترجمة، كان الرجل يدخل بشراهة قائلاً للمُترجمات أن يتركن العائلة وشأنها. النتيجة هو أن جيراني لم يحافظوا على علاقة مقربة مع الأب في هذه العائلة بعد انتهاء مدة الكفالة والدعم، وهي 12 شهراً.
قد يصبح تضارب التوقعات والثقافات، المُمترج مع اختلال ميزان القوة بين اللاجئ والكفيل، سبباً في خلافات كبيرة. وفي بعض الحالات قد يتسبب وضع هذه العلاقة في سياق العلاقة العائلية في مفاقمة هذه الخلافات. إحدى النساء اللواتي أعرفهن، كانت قد كفلت مجموعة من اللاجئين الشباب، قطعت علاقتها مع عدد كبير من هؤلاء اللاجئين حين رفضوا الانصياع لتعليماتها حول عملهم ومكان سكنهم. ويبدو أن معاملتها لهم كأم كان جزءاً من المشكلة. فشخصية الأم هي شخصية إشكالية: هي تقدم الحب، ولكنها في الوقت ذاته تمتلك نفوذاً وتهدد أبناءها أحياناً إذا رفضوا أوامرها، ما يحث “أبناءها” المُفترضين على الاعتراض والمواجهة في بعض الأحيان.
يحيلنا هذا الكلام إلى مشكلة أعمق، وهي القدرة الكندية على صناعة الخرافة والوهم. هذه القدرة لها جوانب إيجابية، فهي تعزز مشاركة الكنديين في برنامج الكفالة الخاصة، إضافة إلى أنها تقع في صميم سياسة التعددية الثقافية الوطنية. ولا شك في أن صورة اللاجئين السعيدين الذين يستقبلهم كفلاؤهم الكنديون بالأعلام والابتسامات هي صورة جميلة وطيبة. ويمكنني التأكيد أن هذه الصورة تسبب الرضا العاطفي أكثر من أي حفل زفاف. دموع الفرح في هذا المشهد هي دموع حقيقية وصادقة.
إلا أن الكثير من القصص قد تتخفى في طيات هذه الصور، اعتماداً على السياق العام. فاستقبال رئيس الوزراء الحالي لعدد من اللاجئين السوريين في 2015 و2016 أوضح سهولة التقاط هذه الصور وترويجها بغرض استخدامها في الدعاية السياسية. وحتى لو أزلنا الحزب الليبرالي من المشهد، فحقيقة أننا نستقبل اللاجئين بالأعلام الكندية تبين لنا الرسالة الضمنية في المشهد العام. نحن نفترض أن اللاجئين القادمين إلى المطار هم بمثابة مواليد جدد في هذه البلاد، ونظن أن تجاربهم صارت من الماضي مع شروعهم في الرحلة الجديدة في كندا.
حين نجرد القادمين الجدد من تجاربهم السابقة ونفترض عدم وجودها فنحن نسيء فهمهم وتقديرهم. وبذلك يصبح اختلافهم وعدم تعوّدهم على نمط الحياة مشكلة ومعضلة بالنسبة لنا. هناك لحظات شبه حتمية من تضارب الثقافات بين اللاجئين من جهة وبين كفلائهم أو زملائهم أو مدرائهم، الذين قد لا يفهمون مصدر هذه الاختلافات.
إذا وضعنا القوالب النمطية جانباً، دعوني أقول لكم كشخص ولد في هذه البلاد إن تجنب الصراع والرغبة في عدم وجود مواجهة أو مقاومة هو جزء من تكوين الشخص الكندي. حين نواجه أمراً لا نستطيع فهمه نفضل الصمت أو تغيير الموضوع، كأن نتحدث عن الطقس مثلاً.
معظم الكفلاء الذين أعرفهم لا يودون الغوص كثيراً في ثقافات وتجارب الأشخاص الذين يكفلونهم. قد يعرفون شيئاً يسيراً عن الصراع والانتهاكات التي أخرجتهم من بلادهم، وقد تكون هذه المعرفة سطحية للغاية استطاعوا أن يحصلوا عليها بعد قراءة مقال على السي بي سي. قد يستمعون إلى القليل من الموسيقى المختلفة، أو يتناولون الطعام الذي طهاه القادمون الجدد بكرم لهم.
لكن ما هو الجهد الذي يضعونه في محاولات اكتشاف اللاجئين والتعرف عليهم؟ هو جهد قليل للغاية، لأن هذا الاطلاع الثقافي يحتاج إلى كثير من العمل، وقد يقود إلى الصراع في بعض الأحيان. قد يقول أحدهم مثلاً، هل أريد التعرف على ما يقوله الدين الفلاني عن أتباع ديني أو عن غير المتدينين؟ أو ما يقوله عن طبيعة العلاقة العائلية؟ هل حقاً يجب علي التعرف على شعراء في لغة لا أعرفها وفي ثقافة قد تمتد لأكثر من 7000 آلاف عام؟ أنا لم أكن مهتماً أصلاً بالشعراء الذين درستهم في المدرسة.
الجواب هو أن ذلك قد يكون صعباً، إلا أنه عظيم الأثر والفائدة إذا ما بذلت الطاقة والوقت اللازمين لفعله. صديقي جيفيت يعمل في شركة مبتدئة تدعى “نيد ليست”، وهي شركة تعمل على إيجاد حلول تكنولوجية للأزمات الإنسانية. يضطر من موقعه الوظيفي أن يتكلم مع زبائن محتملين أحياناً. يقول صديقي إن أحد أهم الأمور التي تعلمها هو أن قول “نعم” يُعدّ سهلاً، أما قول “لا” في صفقة مبيعات يكون مثمراً أكثر. مضيفاً: “حين يقول أحدهم لا، فهو يضع حاجزاً لحماية نفسه. إذا ما تمكنت من التعمق في ذلك الحاجز وسببه واكتشاف ما ورائه، فإنك ستقترب كثيراً من إيجاد الإجابة التي يحتاجها هذا الشخص”.
بناء على ذلك، دعونا نستفيد قدر ما نستطيع من التجربة التعددية الهائلة في هذه البلاد، ونبحث عن الناس الذين نرى أن وجهات نظرهم وفرضياتهم قد لا توافق ما نفكر به. نحن مدعوون إلى أن نأخذ موقفاً منفتحاً وأن نصغي بكل ما للكلمة من معنى. دعونا نستمع إلى قصصهم بمصطلحاتهم الخاصة، وبلغاتهم الأصلية. وحين تتصادم أفكارنا ويقع بيننا خلاف ما -لا سمح الله- فلنبحث عميقاً ونتكلم، فهناك يكمن الاكتشاف والتواصل الحقيقي بين الناس.