كيف ولماذا أخفقت كندا في أفغانستان؟
ستيفن وات
أحد مؤسسي منظمة نورثن لايت كندا التي تعمل على مساعدة اللاجئين.
أثار استيلاء طالبان على أفغانستان أزمة إنسانية واسعة بعد أن سيطرت قواتها المتشددة على معظم مناطق البلاد، بما في ذلك عاصمتها. الوضع مروع بالنسبة للمنتمين إلى أقلية الهزارة في البلاد، الذين تعرضوا للطرد من أراضيهم والقتل على مدى عقود، ومن المروّع أن يعود جلّادوهم إلى سدة الحكم اليوم.
الأخبار السيئة تتوافد يومياً. مطار كابول تحت سيطرة طالبان. الحدود الباكستانية مغلقة. الطرق السريعة تعج بحواجز طالبان. اختيارك لعبور إحدى نقاط التفتيش، وأنت مطلوب على قائمة طالبان لأنك من الهزارة أو أنثى أو صحفي أو موظف حكومي أو ناشط في المجتمع المدني، يعني الضرب أو القتل.
المأساة صعبة ومعقدة، وتفتقر إلى حلول واضحة، لهذا يبتعد العالم ويفقد الاهتمام: “أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات”، يقول الذين يقرؤون صحيفة الصباح، ويلعبون دور النقاد أمام شاشة التلفاز. “لم يكن ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون هناك في المقام الأول”، يقول آخر. والآن بعد أن انسحبت الدول الغربية، يعود العنف والقبلية إلى الواجهة.
لا يستطيع من يمتلك عائلة وأصدقاء في أفغانستان تجاهل ما حدث. لن يغمض له جفن قبل الاتصال بكل شخص يعرفونه، من سائقي سيارات الأجرة إلى مهربي البشر، سعياً لتأمين هروبهم والحفاظ على حياتهم.
الكثير من الأفغان القلقين على أحبائهم يعيشون اليوم في كندا. ربما هم أصدقاؤك أو زملاؤك في العمل أو جيرانك. قد لا نملك عادة التعرف أو التقرب من جيراننا، إلا أن هناك أسباب أخرى يجب أن تدفع الكنديين للاهتمام بما يجري في أفغانستان.
أصبحت الأحداث في أفغانستان قضية سياسية ساخنة في كندا. تهدف الحكومة الليبرالية، التي تشبه دعايتها الانتخابية اليوم ما فعلته حيال الأزمة في سوريا، إلى تكرار ذلك عبر تعهّدها باستقدام 20 ألف أفغاني إلى كندا. تحاول الحكومة عبر هذه الدعاية تحسين صورتها كقوة خيّرة في العالم عن طريق تقديم المساعدة للفارين حفاظاً على حياتهم.
حتى الآن لم تلتزم الحكومة بهذه التعهدات، إذ أعلنت عن خطة لإحضار 20 ألف أفغاني في 23 تموز، تهدف إلى نقل المترجمين الفوريين وغيرهم من المتعاونين مع الجيش الكندي، مع عائلاتهم، من كابول إلى كندا، كمكافأة لهم على خدمتهم وحمايتهم من الخطر.
أُعلن عن البرنامج بعد سنوات من فوات الأوان. فقد انسحب الجيش الكندي من أفغانستان عام 2014. ويقوم قادتنا العسكريون، الذين بنوا علاقات شخصية مع المساعدين الأفغان، بمناشدة الحكومة لإحضارهم إلى كندا منذ ذلك الحين. كانت الفرصة سانحة للقيام بذلك عندما كانت البلاد مستقرةً نسبياً، وليست في خضم هذا الاجتياح العسكري.
بعد الإعلان عن الخطة، تم تنفيذها بشكل سيء، إذ طُلِب من المتقدمين ملء الكثير من المستندات الصعبة. تتطلب هذه الملفات مهارات لغوية متقدمة واهتماماً بالغاً بالتفاصيل، ولا يمكن ملؤها إلا عبر أجهزة الكمبيوتر. في هذه الأثناء، كان المترجمون الذين طُلب منهم استكمال هذه الوثائق يختبئون في مناطق ريفية نائية دُمّرت فيها أبراج الهواتف المحمولة من قبل القوات المتقدمة. لم يكن لديهم رفاهية الذهاب إلى مكاتبهم أو أية أمكنة أخرى لإكمال وطباعة وتوقيع ومسح نماذج الطلبات الخاصة بهم، على عكس الافتراضات الخالية من الحساسية والواقعية لمسؤولي الهجرة.
كما يحدث في كثير من الأحيان، اتضح فرق جذري بين ما كان يقوله قادتنا علناً وما يفعله البيروقراطيون في الكواليس. فبينما كان المسؤولون في دوائر الهجرة والجيش ومكتب رئيس الوزراء يدلون بتصريحات تهنئة ذاتية عن كندا ودورها كمدافعة عن الخير والقيم الإنسانية، كان الموظفون الحكوميون المسؤولون عن المستندات المطلوبة، المتحكمون بالمصائر، يحرصون على تعقيد حصول المتقدمين على المساعدة التي يحتاجونها.
من تمكن بأعجوبة من إكمال الوثائق والمستندات (غالباً بمساعدة متطوعين في كندا وبعض اللاجئين الأفغان اللطفاء في إندونيسيا) لم تتلقى طلباته عبر البريد الإلكتروني أي رد. وانتشر خبر بأن الهجرة وكلت موظفين اثنين فقط في المشروع بأكمله، الذي أصبح يتضمن آلاف الطلبات للتعامل معها.
انتشرت الشائعات كالنار في الهشيم، في ظل غياب أي معلومات أكيدة وواضحة، ذلك أن هؤلاء البيروقراطيون فشلوا في حضور مواعيدهم أو الإجابة على الإيميلات والاتصالات مقدمي الطلبات في كندا، الذين يمتلكون الحق في معرفة ما يجري.
تواصلتُ شخصياً مع عدد من المترجمين في الشهر الفائت عن طريق صديقتي ويندي نوري لونغ التي تعيش اليوم في نياغرا والتي أسست مجموعة المترجمين الأفغان في كندا. تعمل هذه المجموعة منذ سنوات على مناصرة المترجمين والحلفاء المعرضين للخطر.
حدوث هذه التطورات في سياق الانتخابات الفيدرالية أدى إلى دفع المسؤولين لبث رسائل في غاية الإيجابية. كانوا يحرصون على إظهار أن كندا تبذل قصارى جهدها لإيصال هؤلاء الأشخاص إلى بر الأمان: “لقد عززنا قواتنا على الأرض في أفغانستان لاستخدام وسائل مبتكرة لإيصال المترجمين الفوريين إلى المطار وخارج البلاد”.
الإعلان عن “البرنامج الخاص” في تموز كان الخبر الطيب الذي انتظرته المجموعة طويلاً، ولو أن هذا الخبر جاء متأخراً. ونظراً للطلبات المتزايدة للمترجمين، الذي يسعون إلى الفرار بحياتهم، طلبت ويندي متطوعين للمساعدة.
من حالفهم الحظ وتلقوا رداً عبر الإيميل، وصلتهم إشعارات بضرورة التوجه نحو المطار. قطع بعضهم رحلة طالت لساعات في ظل الطرق المزدحمة، ومروا عبر حواجز طالبان وتعرضوا للضرب والنزيف. بقي هؤلاء في أماكن الانتظار التي طُلب منهم البقاء فيها (محطة وقود مثلاً، أو خندق مليء بالمياه الآسنة). مكثوا هناك ينتظرون قدوم القوات الكندية التي ستأخذهم إلى المطار بحسب التعهدات التي قطعها المسؤولون. بيد أن هذه المساعدة لم تصل إلى معظمهم، وما زالوا حتى الآن في كابول يختبئون من قوات طالبان التي تكتشف أماكنهم بسرعة. وما زالوا حتى اليوم يسمعون وعوداً (اتضح أنها كاذبة) بأن كندا ستجدهم وتساعدهم.
تجلّى التخبط في إدارة هذه الأزمة حين ادّعت كندا أنها تقوم بدورها في المساعدة، بينما كانت في الحقيقية تتنصل من مسؤولياتها إزاء ما يجري. اتضح ذلك مثلاً حين أصبح شخص عادي مثلي في موقع مسؤولية لإدارة التواصل مع المترجمين. لم أكن أنا الوحيد الذي حصل معه ذلك. هيثر هيدجز مثلاً، وهي مُعلمة في إحدى مدارس بيتربرغ، كانت أكثر انخراطاً عبر تواصلها المكثف مع المترجمين الذين يطرحون آلاف الأسئلة حول كيفية إكمال طلباتهم، وعن سبب إهمال هذه الطلبات، وعن مدة انتظارهم في بلد خطر تقضم طالبان أراضيه يوماً تلو الآخر.
ما زالت هذه الوعود الكاذبة تصدر على الدوام، واليوم لها آثار مميتة. قد يكون ما أقوله ساذجاً، ولكنني، قبل تجربتي في مساعدة المترجمين (وسواهم من نساء الهزارة والصحفيين والمثليين والنشطاء الأفغان) لم أفكر بكمية الكذب الذي يمكن للحكومة الكندية إصدارها لضمان مصالحها. من المعروف أن المسؤولين يكذبون دائماً، ولكنني كنت أظن أن كندا وحكومتها الليبرالية ستفعل أفضل من ذلك.
كنت أتحدث كل صباح مع أشخاص على الأرض في كابول وأسمع منهم عن الإساءة التي يتعرضون لها على يد عناصر طالبان، وعن تجاهل الحكومة الكندية لهم. وكنت، في المقابل، أتابع المؤتمرات الصحفية المرافقة للانتخابات وأدرك أن الحقائق التي أتعامل معها يتم نفيها عبر تصدير صورة مشرقة لتعامل كندا مع الأزمة.
في نهاية المطاف، ستتبخر البروباغندا أمام الواقع. ويبدو أن الحكومة الكندية تواجه عواقب أخطائها في أفغانستان. للمفارقة، لدي أمل شخصي بأن ينجو الليبراليون من أخطائهم في هذه الانتخابات، لأن الحزب الوحيد المرشح للفوز سواهم هو الحزب المحافظ، الذي لن يهتم كثيراً لمسألة اللاجئين لدى توليه السلطة.
ولكن دعونا نتذكر، رغم كل ما قلته عن كون أزمة أفغانستان قضية سياسية كندية، إلا أن ضحاياها الحقيقين ليسوا نحن. هي قضية الأم لثلاثة أطفال، التي قُتل زوجها على يد طالبان لكونه ضابط شرطة. هي قضية عائلة الهزارة، التي أُخذت ابنتها (16 عاماً) على حاجز ليتم تزويجها بالغصب لشخص لا تعرفه. هي قضية الصحفي الذي يختبئ في مكان ويخاف من اكتشاف مكانه.
ثمة بشر ساعدتهم كندا في السابق، خلال العقود السابقة، لبناء مجتمع مدني في أفغانستان. ولكنهم اليوم يُتركون وحدهم في مواجهة مصائرهم، بينما نتجه نحن، بأذهاننا المشتتة، إلى جولة إخبارية أخرى.. إلى فوز جديد في الانتخابات.