كيف نجد الحقيقة في تاريخنا؟

ماثيو مولون، كاتب وأنثروبولوجي وفنان متعدِّد التخصصات ذو أصول كريولية من تكساس. يُقيم ماثيو في مونتريال أَوْ جوجا-كي بلغة سكان البلاد الأصلية، ويسخر فنَّه من أجل الضغط للتغيير والفَهْم والتواصل.

إعداد: كنانة عيسى

ترجمة عُلا برقاوي

التاريخ هو فكرة متداخلة ومتعددة الجوانب. هو ليس فقط تاريخ البِيض أو السُّود، أو تاريخك أو تاريخهم أو تاريخي. التاريخ هو عدة مسارات متراكبة تؤدي إلى معرفة الحقيقة. والآن، تتجلَّى مهمتنا في إيجاد صوت يُمثِّل تلك الحقيقة. غالباً ما يكون هذا الصوت غير واعٍ، يلبث في عقولنا ونستمع إليه، لكنه قد يتأثر بشكل غير مباشر بما ينفذ إليه من مصادر تُخفي أو تُزيِّف أو تمحو تاريخ السُّود من الوعي المجتمعي.

أتى شهر تاريخ السُّود ليوضِّح أن كل ما نريده هو الاعتراف بنا كبشر وأن نحصل على مكانتنا في هذا العالم. نحن بحالة صراع دائم للحصول على إقرار المجتمع بنا. لا يعني ذلك أننا لم نحرز أي تقدُّم، لكن ثقافتنا وتاريخنا يتجاوز ما قد نجده في محطات الراديو أو التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي. إن أردنا أن نكون مناصرين حقيقيين لقضايا الإنصاف والمساواة، علينا أن نفهم الأمور بشكل أعمق.

ثقافة السُّود هي مجال واسع حتى أنا لست قادراً على تقديم إجابات وافية عنه، وهذه هي النقطة التي أحاول توضيحها. لذا، عندما نحاول تعلُّم شيء عن ثقافة السود و/أو الشخص الأسود، علينا استيعاب أنه ليس للهوية شكل ثابت، وأن لا أحد يستطيع أن يقدم لنا جميع الإجابات حول تاريخ السُّود وهويتهم الثقافية. الحريُّ بنا أن نستمع لقصص كثيرين منهم لتشكيل رؤية مُتكاملة عن ثقافة وتاريخ السُّود وازدهارهما.

لكلٍّ منا تاريخه، لكن كم منا يعرف الحقيقة؟ وإذا لم نكن نعرف الحقيقة فكيف نصل إليها؟ هذه أسئلة أفكر فيها مليَّاً بشكل يومي. أنا رجلٌ من الكريول السُّود، من الولايات المتحدة. بالتالي، مُحيت كثير من المعلومات عن أسلافي من كتب التاريخ التي يتم تدريسها في الفصول الدراسية. تشمل شعوب الكريول السُّود الذين أمثُّلهم، أعراقاً أفريقية وفرنسية وإسبانية وأمريكية أصليَّة، تكوُّن عرقاً واحداً وهو الكريول. وتاريخها متنوع وطويل يسبق تاريخ ما نعرفه باسم الولايات المتحدة.

هذا موضوع يمكن الاطلاع عليه في كتاب اسمه الكريول لـ سيبيل كين. بالنسبة لي، كان الحصول على قصص ماضيَّ صعباً للغاية. فقد تلقيت خلال نشأتي في الولايات المتحدة معلومات خاطئة وغير كافية. كما أن محاولة التبحُّر في المعلومات الشحيحة المتوفرة التي تتم فلترتُها من خلال منظار تفوق العرق الأبيض ليست بالمَهمَّة السهلة. وهذه المعوقات قد تنطبق أيضاً على من بدأوا لتوِّهِم بالتعرف على تاريخ الأمريكتين، مثل المهاجرين.

في كندا، لم يكن من السهل بالنسبة لي البحث في الحقائق التاريخية المتعلقة بأسلافي، فأنا مُعرَّض للتصنيف على أساس عرقي بسبب لون بشرتي. صحيح أن العالم لا يراني إلا كشخص أسود، لكن أن تكون شخصاً أسود يعني انتماءك لأحد أو عدد من الأعراق والتواريخ المختلفة. كما أن ثقافة السُّود تمتدُّ أبعد وأوسع وأعمق من تاريخ الاستعمار الأوروبي في كندا. لذا عندما يريد أحد ما الاطلاع على تاريخ السُّود، عليه أن يحاول بذل قصارى جهده لتجنُّب المصطلحات التعميمية المستخدمة في الثقافة العامة.    

ليس من السهل الإلمام بالتاريخ بالنسبة للسُّود والمهاجرين على حد سواء في شمال أمريكا. ما أحاول الحثَّ عليه هو العمل سوية كأفراد في المجتمع على مُصادقة جيراننا ومعرفة حقائقهم التاريخية. وأن نقوم بذلك بآذان مُصغية وعقول مُنفتحة وقلوب صافية. بهذا سنتمكن من إعادة بناء حقيقة جمعيَّة غير مُنقادة بالأكاذيب البيضاء لحكوماتنا. في قصصنا ما هو أكثر من صورة وخبر، وبأيدينا أن نرفض أي أيديولوجيات انفصالية غير مفيدة لنا.

يمكن الاحتفاء بشهر تاريخ السُّود عبر الاطلاع على ثقافتهم، والاستماع إلى موسيقاهم، أو ربما من خلال رفع لافتة في احتجاج ما. هنالك الكثير مما يمكن فعله في شهر تاريخ السّود، وهو شهر يتمحور حول الاعتراف بهم كبشر. أرغب برؤية التشابك مع تاريخ السُّود والاعتراف به كقضية تتجاوز الفعاليات التي تتم المشاركة بها مرة واحدة في العام، ويجب أن يتكرر ذلك مرَّة بعد مرَّة إلى حد انتهاء الرقابة على الجسد الأسود. أرغب برؤية الناس في كل أنحاء العالم وهم يقومون بما يتجاوز التعرف على تاريخ السُّود، بل الوصول لمرحلة البحث المتعمِّق وتشكيل روابط معه، والإدراك بأن اجتماع تواريخنا سيساعدنا في الوصول إلى الحقيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى