سوريون يمدُّون يد المساعدة للَّاجئين الأفغان في كندا
علا برقاوي، صحفية وكاتبة سورية- فلسطينية مقيمة في تورنتو.
بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول في شهر آب الماضي، أعدَّت الحكومة الكندية خطَّة تهدف لإعادة توطين 40 ألف لاجئ أفغاني في كندا، خلال إطار زمني لا يتجاوز عامين، وصل منهم حتى الآن ما يقرب من أربعة آلاف شخص.
وبالرغم من أن كندا تستقبل مهاجرين ولاجئين من مختلف بلدان العالم، إلا أن ثمَّة تقاطعات كبيرة بين ظروف لجوء الأفغان والسوريين، فهم يخوضون الإجراءات المعقدة ذاتها ضمن محاولاتهم في التغلب على العراقيل التي تحدُّ من قدرتهم على الوصول إلى بلدان آمنة. كما تتشابه الصعوبات المعيشية التي يواجهونها في بلدانهم الأصل إلى حد كبير بعد أن تسببت الحرب في سوريا وأفغانستان، وعلى مدى سنوات، في خلق معاناة كبيرة لدى معظم القاطنين هناك، تعززها رغبتهم في الفرار من أنظمة قمعيَّة وسعيهم للوصول إلى بلدان تضمن لهم حقوقهم، وتحقق تطلُّعاتهم في البدء بحياة أفضل.
انطلاقاً من هذه المقاربة، بدأت المنظمة السوريَّة الكنديَّة (وهي مؤسسة خيرية تعمل على تمكين الوافدين الجدد إلى كندا من مختلف البلدان ومساعدتهم على الاندماج، وتعزيز التبادل الثقافي بين المكونات المختلفة للمجتمع الكندي)، منذ مطلع شهر كانون الأول الجاري حملة تحت اسم ”سآل مجرِّب“ لمساعدة اللاجئين الأفغان. وهي دعوة موجهة للجميع في كندا، لكنها تستقطب السوريين على وجه الخصوص، لأنهم خاضوا تجارب مشابهة كقادمين جُدُد إلى كندا، واستطاعوا أن يكونوا جزءاً فعالاً من نسيج المجتمع الكندي في عدد قليل من السنوات.
تستخدم المنظمة المثل الشعبي المتداول بين السوريين ”سآل مجرِّب ولا تسأل حكيم“، كدلالة على أهمية ما قد يقدمه السوريون في كندا للّاجئين الأفغان، وفي إشارة إلى أن أفضل من يستطيع تقديم المساعدة هو من خاض معاناة مشابهة، ويمتلك إرشادات تساعد من يحتاجها على تحمل صعوبات الانتقال إلى بلد جديد؛ كتعلم لغة جديدة، والحصول على مصدر رزق، ومحاولة فهم القوانين والأنظمة والعادات غير المألوفة.
تدعو المنظمة في إعلانها عن الحملة، والمنشور على موقعها الرسمي وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، كل شخص متحمس لمساعدة اللاجئين الأفغان إلى التطوُّع مع منظمات تعمل على الأرض ومشاركة خبراته المعيشية وتجاربه السابقة في كندا مع اللاجئين الأفغان. أو عن طريق مساهمة مالية بمبلغ 10 دولارات، تُخصَّص لدعم الأفراد والعائلات الأفغانية القادمة حديثاً إلى كندا.
مصطفى عليو، المدير المشارك في إدارة شؤون اللاجئين ضمن مبادرة R-SEAT ، قال لموقع حِنّا إن المنظمة السورية الكندية هي ”حاضنة لحملة سآل مجرِّب، التي انطلقت بمبادرة من مجموعة نشطاء سوريين كنديين أصحاب قصص نجاح خاصة، ولديهم تأثير فعال ومهارات تواصل مع المجتمع. عاشوا سابقاً تجربة مشابهة لتجربة اللاجئين الأفغان، ويرغبون اليوم بخلق ظروف جيدة للقادمين الجدد مثل تلك التي أتيحت لهم، وبتقديم مساعدة مماثلة لتلك التي تلقوها. يستطيع أولئك النشطاء أن يفهموا كثيراً من المراحل التي قد يمر بها من جاء حديثاً إلى كندا، بعد أن عاش الحرب، وخسر بيتاً وعائلة وأصدقاء“.
تعمل المنظمة السورية الكندية على توفير خدمات وبرامج تمكين للقادمين الجدد عموماً. كان تركيز عمل المنظمة في بداية نشأتها موجهاً لتقديم العون السوريين، لكنها تحاول توسيع أنشطتها لتشمل المهاجرين واللاجئين المتحدرين من أية جنسية أو عرق. من خلال مساعدتهم على الاندماج في المجتمع الكندي، وتجاوز الصعوبات التي قد يواجهونها هنا قدر الإمكان. لكن المجموعات الكبيرة من اللاجئين الأفغان التي وصلت مؤخراً، إلى جانب الأعداد التي من المقرر أن تصل خلال الفترات القادمة، تجعل من مهمة مساعدتهم والتحضير لقدومهم ضرورية وعاجلة. فالكم الكبير من اللاجئين بحسب عليو، قد يتسبب بحالة ارتباك وفوضى تجعل من إطلاق الحملات ومشاركة المنظمات وإشراك مختلف شرائح المجتمع أمراً مهماً، نتيجة عدم اكتمال نظام الاستجابة الحكومي لاحتياجات اللاجئين، وعدم قدرته بشكل فعال على استيعاب متطلباتهم.
ويضيف عليو بأن ”إطلاق مثل هذه الحملات يقدِّم رسالة إنسانية لأهمية تعاضد اللاجئين. كما يشعر من يشارك فيها بالقوة المستمدة من تقديم المساعدة للغير ومنح ما حصل عليه يوماً.. هذه الحملات تحمل في الوقت ذاته رسالة سياسية تؤكد أن اللاجئين ليسوا عبئاً على المجتمع، وأنهم ينخرطون في نسيج المجتمع الكندي بشكل فعال، وباستطاعتهم المساعدة والمشاركة خلال الأزمات. وبالتالي سوف يمتلكون القوة اللازمة للمطالبة بحقوقهم، وسيؤدي اتحادهم بهذا الشكل إلى إحداث تأثيرات إيجابية أكثر في المجتمعات، وأكبر على القرارات السياسية“.
ويسلِّط عليو الضوء على ”أوجه القصور لدى الحكومة الكندية في استجابتها لأزمة اللاجئين الأفغان. ابتداء من بطء إجراءات إعادة توطينهم، وليس انتهاء بقلة التركيز على الوضع الحرج للأقليات والحالات المستضعفة هناك. ويشرح ذلك بقوله إن ”الفوضى التي تسببت بها سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان قد حدَّت من قدرة الحكومة الكندية في جلب اللاجئين، إذ أنها لا تستقبل طلبات اللجوء من الأفغان الذين يعيشون داخل بلدهم، بل يجب أن يهربوا أو يعرضوا حياتهم للخطر من أجل التقدم بطلب لجوء من دول مجاورة“. كما أن الحكومة الكندية لم تصدر حتى الآن إعفاءً من الوثيقة المطلوبة من مفوضية الأمم المتحدة والتي تثبت أن المتقدم بحالة لجوء. إلى جانب عدم وجود توازن في خطة استقدام اللاجئين، ما يتسبب بالضرر على المجموعات المستضعفة والأقليات هناك. وعلى الرغم من أن الحكومة الكندية تعترف بوجوب التركيز على هؤلاء وخلق آليات فعالة تمكنهم من القدوم، إلا أن تلك الآليات ما تزال غير واضحة حتى الآن، بحسب عليو.
مع الإقبال الجيد وتفاعل السوريين في كندا مع حملة ”سآل مجرِّب“ حتى الآن، والآمال بخلق حالة التفاف أكبر حولها، قد تستطيع هذه التجربة إعادة إحياء صورة تاريخية للسوريين الذين استقبلوا في بلدهم لاجئين من دول أوروبية إبان الحرب العالمية الثانية، ولاحقاً لاجئين من فلسطين والعراق ولبنان. إتاحة الفرصة للسوريين في كندا اليوم للمشاركة في مساعدة اللاجئين الأفغان تُمكِّنهم من التعريف بأنفسهم بشكل حقيقي، وتوفر لهم فرصة للقول إنهم ما يزالون قادرين على فعل المزيد، وعلى الترحيب بغيرهم مثلما تم الترحيب بهم يوماً.