اللاجئون يرسمون ملامح مستقبلهم
مصطفى عليو، ريز جاردي، وجيمس ميلنر
ترجمة علا برقاوي
عليو وغاردي مديران مشاركان في إدارة شؤون اللاجئين الذين يسعون إلى تعزيز حضور اللاجئين في المؤتمرات الخاصة بهم ضمن مبادرة R-SEAT. ميلنر أستاذ مشارك في العلوم السياسية في جامعة كارلتون بكندا، ويدعم أنشطة البحث في R-SEAT.
بمناسبة يوم اللاجئ العالمي في 2021، سألت مبادرة R-SEAT سياسيين بارزين وصانعي سياسات عن أرائهم فيما خص مشاركة اللاجئين، وأوردت تعليقاتهم في هذا المقال.
في السنوات الأخيرة تصدرت أخبار اللاجئين العناوين الرئيسية للصحف، وواجهت الدول تحديات كبيرة في الاجتماعات التي عقدتها في جنيف خلال الأسابيع الماضية. وصل الازدياد الهائل في أعداد اللاجئين إلى أعلى مستوياته.. ثمة أرواح تزهق في البحر، وحدود مغلقة، وآمال تتلاشى.
كيف يمكن لنظام اللاجئين الدولي أن يقوم بمهامه في إيجاد الحلول لهم وضمان حمايتهم؟ كيف يمكن لاتفاقية نشأت في أوروبا خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الاستجابة لتحديات اليوم بشكل مرن وفعال وقانوني؟
يُعدّ طرح مسألة مشاركة اللاجئين في النظام الدولي جزءاً هاماً من محاولتنا الإجابة على تلك الأسئلة. لقد أدركت الدول ذلك في العام ٢٠١٨، عندما تبنت الأمم المتحدة الميثاق العالمي بشأن اللاجئين، والذي يعترف بأن ”انخراط الأشخاص بشكل هادف في المساعي المبذولة لحمايتهم ومساعدتهم، سيجعل من الاستجابات أكثر فاعلية“. وعليه فإن إشراك اللاجئين في تشكيل السياسات التي ستؤثر عليهم، ليس الفعل الصائب فحسب، بل هو قرار ذكي أيضاً.
هذا ما شهدناه في كندا، عندما وصل وفدها (الذي يضم للمرة الثالثة مستشاراً للاجئين) إلى اجتماعات جنيف. ستشارك هذا العام في هذه الاجتماعات السيدة ميسون درويش، وهي لاجئة سورية تعيش في مدينة وينيبيغ. ناهيك عن الالتزام الذي تعهدت به كندا، في شهر حزيران من العام ٢٠٢٠، بمساعدة انخراط اللاجئين في السياسات المتعلقة بهم بطريقة هادفة ضمن خطتها للتعاون مع نظام اللاجئين الدولي. ليس فقط لأن دورهم فعال في القرارات التي تؤثر عليهم، إنما من أجل الاعتراف بالمساهمات التي يقدمونها أيضاً.
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قال في حزيران الفائت إن اللاجئين ”ساهموا وما يزالون يساهمون في المجتمعات الكندية.. إنهم يجعلون كندا بلداً أكثر عدلاً وتنوعاً كل يوم.. يجب أن يكون لهم رأي من أجل الاستفادة من خبراتهم ورؤاهم. ولهذا كانت كندا أول دولة في العالم تُشرك اللاجئين بشكل رسمي في المؤتمرات الدولية.. عندما ندرك قدرات اللاجئين ووعيهم ومرونتهم، فإن ذلك سيأتي علينا جميعاً بالنفع“.
يشكل اللاجئون الآن حوالي ١ في المائة من سكان العالم. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى ما يقرب من ١٥ في المئة بحلول العام ٢٠٥٠، حيث قد يصل عددهم إلى مليار شخص. وإذا كان نظن أن استجابتنا الجماعية لحمايتهم وضمان حقوقهم ليست في أحسن حال الآن، فإن الوضع سيصبح أكثر كارثية في السنوات القادمة. مشاركة اللاجئين هي أمر يمكن الاستفادة منه في مساعدة الحكومات على الاستجابة لهذا التحدي العالمي، وهي طريقة يعتبرها اللاجئون منطقية وفعالة.
اللاجئون أنفسهم يدركون عيوب القوانين الحالية أكثر من أي شخص آخر، لأنهم يعيشون تأثيرات النظام كل يوم. هذه الرؤية تحمل قيمة عالية عندما يتعلق الأمر بالنقطة التي يجب أن نبدأ منها لإصلاح المشاكل. ومن أجل الاستفادة منها، نحتاج إلى التخلي عن الفكرة السائدة التي تصور اللاجئين على أنهم ضحايا سلبيون يحتاجون إلى المساعدة فقط. يجب علينا بدلاً من ذلك أن ننظر إليهم كشركاء، لا سيما في شؤون صناعة السياسة العالمية التي تتناول شؤونهم.
يجب أن تكون مشاركتهم جوهرية ومستمرة لدى تخيل الحلول بطريقة ذات مغزى وقادرة على التأثير في النتائج. فلا يمكننا دعوة لاجئ إلى اجتماع، والطلب منه رواية قصته، ثم البدء باتخاذ القرارات التي تتعلق به بمجرد مغادرته.
نشر تريستان هارلي مقالاً في وقت سابق من هذا العام تحت عنوان “إعادة النظر في مشاركة اللاجئين“، يشرح فيه كيف استطاع اللاجئون أن يحدثوا تأثيراً كبيراً في تطوير اتفاقية اللاجئين الدولية التي وُضعت بين العامين ١٩٢١ و١٩٥٥.
يقول هارلي إن ”أهمية مساهمات اللاجئين لا تكمن فقط في كونها تعيد توجيه فهمنا للطرق التي تم من خلالها تطوير القانون الدولي والسياسات المتعلقة بهم فحسب، إنما لأنها تقدم مثالاً عملياً عن كيفية إشراكهم بطريقة أكثر جدوى في إنشاء القوانين التي تؤثر عليهم في المستقبل“.
يوافق هذا القول رأي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، الذي يرى أن دور اللاجئين بحاجة إلى ”إعادة صياغة، عن طريق اعتبارهم أحد عوامل التطوير، وأفراداً مساهمين في تنمية الاقتصادات المحلية”. مضيفاً أن “إيجاد الحلول الفعالة لهم هو واجب حتمي بدلاً من تأطيرهم ضمن صورة الأشخاص المتلقين للمساعدات الإنسانية فقط“.
من أجل أن يتحقق ذلك، نحن بحاجة إلى عدم اعتبارهم كـ“آخرين“. وقد قال ممثل كندا لدى الأمم المتحدة بوب راي: ”لفترة طويلة، كان إقصاء اللاجئين قد بدأ في بلادهم وانتقل معهم إلى مخيمات اللجوء.. وهذا يجب أن يتوقف، علينا أن نستمع لأصواتهم، وألا نعتبرهم ضحايا يفتقرون إلى القوة“.
يحتاج اللاجئون إلى المساعدة في خلق مساحة للمشاركة الفعالة والهادفة، وإلى فرض حقيقة أنه يمكن الاستفادة من مهاراتهم وخبراتهم في إيجاد الحلول. تقول الناشطة العراقية بسمة علاوي التي تعمل كمنسقة لشؤون اللاجئين في الولايات المتحدة: ”نحن كلاجئين سابقين نحاول القيام بدورنا، لكننا نحتاج إلى إدارات أوسع، من أجل دعمنا في حملاتنا التي تسعى للنهوض بالمجتمعات المتأثرة“.
بدأت الأنظمة المتعلقة باللاجئين تتغير. ففي السويد، هنالك منتدى محلي يُعقد سنوياً، يقوده اللاجئون ويجمع قادة الأحزاب السياسية السويدية بممثلي منظمات المهاجرين واللاجئين، والسلطات المحلية، والشركات الخاصة، والمواطنين. وتشجع البرازيل مشاركة اللاجئين على المستويات المحلية والإقليمية. ”أكاديمية إشراك اللاجئين“ في فرنسا تدعم إدماجهم ومشاركتهم في السياسة وهيكلة الحكومة. فيما قضت المحكمة العليا في كينيا، في تشرين الثاني من العام ٢٠٢٠، بأن دعم اللاجئين هو مطلب دستوري.
تدل هذه الأمثلة على أن الكثير من الدول قد بدأت تعترف بالقيمة الحقيقية لمشاركة اللاجئين. في السنوات الأخيرة، تحدثت أكثر من ٣٠ حكومة عن ضرورة إشراكهم في الاجتماعات العالمية، ويأخذ بعضهم بعين الاعتبار اتباع كندا كمثال في إدراجها اللاجئين ضمن الوفود المشاركة فيها. مبادرة ”(R-SEAT)“ تعمل على دعم أي حكومة تسعى لاتخاذ هذه الخطوة.
فلنتخيل يوماً تجتمع فيه الدول لعقد اجتماعات بشأن اللاجئين، وتتفق على حلول قابلة للتنفيذ وقائمة على حفظ الحقوق.. فلنتخيل يوماً يجد فيه اللاجئون الحماية الحقيقية.. يوماً تدعم فيه الدول الاستجابات المبتكرة التي تمكن اللاجئين من المساهمة في مجتمعاتهم.. فلنتخيل يوماً تغطي فيه الصحف قصصاً جيدة عنهم. يجب على الدول أن تتذكر دائماً أن المشاركة الهادفة للاجئين هي ما يمكنها أن تجعلنا أقرب إلى هذا اليوم.