كيف تُشكِّل وسائل الإعلام الهويَّات العرقيَّة
لقاء مع بويس ديوهرست، إعلامي ومنتج تلفزيوني تعاون مع عدة جهات ومهرجانات إعلاميَّة، وعمل كعضو مجلس إدارة في عدد من منظمات صنع الأفلام في بريطانيا وكندا. يعمل بويس أيضاً مع المبدعين الشباب واليافعين الملوّنين في كندا، ويسعى إلى زيادة الوعي بالتنوع والشمول في السينما والتلفزيون.
حاورته كنانة عيسى
ترجمة عُلا برقاوي
بويس مهووس بالأفلام، يرى أن عالمي التلفزيون والسينما يمتلكان القدرة على قلب مسار حيوات الناس. لكنه يرى أيضاً أن توخي الحذر واجب في هذا المجال، لأنه سيف ذو حدَّين. بويس من بين الأشخاص الذين يجب أن يتعرَّف عليهم جميع أصدقاء منصة حِنَّا. إنه لا يتوانى عن تقديم المساعدة عندما يتعلق الأمر بدعم الملونين واليافعين من الراغبين بالعمل في مجال التلفزيون وصناعة الأفلام، ويأمل بأن ينظروا إلى ما بعد حدود ما يعتقدون أنه مُتوقَّع منهم.
بمناسبة شهر تاريخ السُّود، يتحدث بويس مع حِنَّا حول تمثيل الملوَّنين في وسائل الإعلام، وعن تجاربه الشخصية، وتعامل وسائل إعلام أمريكا الشمالية في وقتنا الحاضر مع تاريخ السُّود. كما سيقدِّم ملاحظاته عن ما يجمع المجتمعات الملونة مع بعضها.
من أجل أن نتعرف على بويس أكثر، ربما نحتاج لأن نتعرف على علاقته الخاصة مع عالم الأفلام. يقول: ”خلال نشأتي في جزيرة باربادوس، اكتشفت حباً عميقاً للأفلام. قبل أن أصل إلى سن المراهقة كنت منطوياً بعض الشيء. كان لدى والدي متجر صغير يبيع فيه منتجات مصنوعة يدوياً مثل حصائر العشب واللوحات وتُحف مصنوعة من الأصداف وأشياء أخرى من هذا القبيل. كان والدي يبيع أيضاً أعداداً من مجلة بيبول، التي كنت أقرأ فيها عن الأفلام والإنتاج التلفزيوني. كان عمري حوالي 11 أو 12 عاماً، عندما قرأت أن كلوديت كولبيرت، أسطورة التمثيل في هوليود خلال الثلاثينيات قد تقاعدت، وأنها تعيش في بربادوس. وجدت رقم هاتفها واتصلت بها، وعندما أجابت، قلت لها لشدة توتري إنني اتصلت بالرقم الخطأ وأنهيت المكالمة. كانت تلك أولى تجاربي المميزة مع عالم صناعة السينما. لم يكن هناك سوى قناة تلفزيونية حكومية واحدة تبثُّ برامجها في بربادوس. لذا كان الجميع يشاهدون البرامج ذاتها. فإذا كنت أرغب في مشاهدة شيء آخر، أستأجر من بائع محلي شرائط فيديو مقرصنة ورديئة الجودة. كانت الأفلام مشوشة وألوانها قاتمة، لكن دون أن أنتبه لذلك آنذاك، لأنني كنت أعتقد أنه من المفترض للأفلام بأن تكون هكذا. حاولت أن أشاهد كل شيء تقع يدي عليه، من الرسوم المتحركة وأفلام الخيال العلمي، إلى الدراما والكلاسيكيات والأفلام الحائزة على جوائز الأوسكار. لم يكن هناك أية قيود على ما يمكنني استئجاره ومشاهدته“.
بعد وصوله إلى كندا، أصبح بويس متعلقاً أكثر بالأفلام وبدأ يشارك في صنعها: ”شاهدتُ أفلاماً على أقراص الليزر، وفي السينما، وحتى في المنزل حيث كنت أحمل بكرات الأفلام وأشرطة الفيديو وأجهزة عرض سينمائي بقياس 16 ملم، لمسافة تصل إلى أكثر من 30 كيلومتراً في الحفلات والقطارات السريعة ومترو الأنفاق. وفي أحيان أخرى كنت أجرُّ الأفلام بوساطة عربة يد في الربيع والصيف والخريف وفي الثلج والبرد القارس في الشتاء. في المرحلة الثانوية، تلقيت تعليماً عن السينما مع الأستاذ روس، وهو مدرس رائع وحبه لما يقوم به قادر على إصابتك بالعدوى. بعد أن تعرفت على عالم الأفلام بشكل أوسع في المرحلة الثانوية، أخذت دروساً عن صناعة الأفلام بجامعة رايرسون. ثم أخيراً، دخلت مجال السينما كفنِّي وصانع أفلام. وفي الوقت الحالي، ينصب شغفي وتركيزي على تطوير عمل اليافعين وتدريبهم وتوفير السبل لحصولهم على المصادر اللازمة، والعمل مع مجموعة من الجهات السينمائية والتلفزيونية لتحقيق هذه الغاية. عندما كبرت، كنت محظوظاً إذ صورت فيلماً قصيراً وساعدت عدداً من صناع الأفلام في شرق أفريقيا. استلقيت في السهول الأفريقية المنعزلة عند سفح جبل كليمنجارو، أستمع لكونشرتو الكلارينيت لموزرات من كومبيوتري المحمول الذي كان يحتضر ببطء، واستغرقت في النوم تحت سماء أخَّاذة. تم اختيار أحد أفلامي لتمثيل كندا في جناحها بمعرض إكسبو الدولي الذي أقيم عام 2010 في الصين، إلى جانب عملين لدينيس فيلينيوف ونورمان مكلارين. وقد أجريت لقاءات مع مجموعة من قدامى صناع الأفلام، من فائزين بجوائز إيمي والأوسكار إلى فنِّيين”.
على الرغم من ذلك، ليس من السهل أن يكون المرء صانع أفلام أسود، ثمة كثير من التضحيات التي ستضطر للقيام بها كي تحصل على تمثيل مُنصف في وسائل الإعلام. يقول بويس: ”سواء كان ذلك حقيقة أم زيفاً، في السنوات القليلة الماضية حدثت تغييرات بالنسبة للمجتمعات المختلفة عرقياً. هذا بعد جرائم القتل التي ارتكبت في العام 2020 بحق جورج فلويد وبريونا تايلور وأحمد أربيري وآخرين، والغضب العالمي الذي أعقب ذلك. كانوا محفزاً رئيسياً لتظاهرات لا حصر لها ضد الظلم. ناضل الكثير من نشطاء السود والسكان الأصليين والأشخاص الملونين لعقود طويلة من أجل هذا التغيير، وفقد كثير منهم وظائفهم بسببه“.
شهر تاريخ السُّود
كمحترف في صناعة وسائل الإعلام، يتأمل بويس في شهر تاريخ السُّود ويراه كوقت لتغيير التصورات المؤذية عن السود. يقول: ”أشعر أن شهر تاريخ السود يتعلق بإصلاح الضرر. أظن أن هذه هي الطريقة الأكثر فعالية للاحتفاء بهذا الشهر. ليس فقط من خلال الانتصار على آثار الصدمات النفسية، بل أيضاً عن طريق التحدث مع الناس وتمكينهم من خلال أفكار ومشاهد بصرية إيجابية. لدينا الكثير من العمل لاجتثاث المشاهد والأفكار التي قدمت السُّود بشكل سلبي لعدة قرون وتغييرها. هذا ما سيساعد المجتمع على التفكير بشكل مختلف بالسُّود، ويساعدنا أيضاً على مواجهة التصورات المضرة التي صارت جزءاً من رؤيتنا لأنفسنا بعد أن تشربناها لعدة لقرون. عملت كثير من وسائل الإعلام والأفلام والكتب لإظهار السُّود على أنهم أقل قيمة وخطرون ولصوص وكسالى ومجرمون ومحتالون سريعو الكلام ومغتصبون. وكلما عدنا بالزمن إلى الوراء، كلما أصبح الأمر أكثر إزعاجاً“.
لقد أصبح جلياً بالنسبة لبويس أن الطريقة التي يُنظر بها إلى السُّود في كثير من الأحيان لم تكن نتيجة التعامل المباشر معهم، بل بسبب المفاهيم الخاطئة التي تُغذِّيها وسائل الإعلام. ويتساءل: “لماذا يهرب الناس أحياناً إلى الجهة الأخرى من الشارع الذي يمشي عليه شخص أسود؟ لماذا يضع بعض الناس أيديهم/ـن على محافظهم أو حقائبهن عندما يدخل شخص أسود إلى مصعد أو يجلس في حافلة؟ إن سألت هؤلاء عما إذا كانوا قد تعرضوا لهجوم أو أذيَّة بأي شكل من الأشكال مِن قِبَل أشخاص سود، فعادةً ما يجيبونك بـ لا. إذاً ما تفسير ردود فعلهم تلك؟ إنهم لا يعرفون حقاً. لماذا تصدر أحكام بالسجن على السُّود بسنوات أطول بكثير للجريمة ذاتها مقارنة بالبيض؟ لماذا تطلق الشرطة الرصاص على الرجال السود العُزَّل في أمريكا الشمالية بمعدل أعلى من أية مجموعة عرقية أخرى؟ إنه الخوف. خوف غير منطقي وغير مبرر، غذَته أفلام ومحطات تلفزيونية وصحفيون ومخرجون ومؤلفون وما إلى ذلك خلال أكثر من قرن من الزمن. قد يكون التحيز بمعظمه غير مقصود، لكن منه ما كان تحيزاً صريحاً أيضاً”.
أحد الأعمال السينمائية التي صدمت بويس على وجه الخصوص هو “فيلم ميلاد أمَّة الذي تم إنتاجه في العام 1915 وأخرجه دي دبليو غريفيث. حقق الفيلم شعبية كبيرة وشهرة ساحقة في الولايات المتحدة وخارجها. صوّرالعمل حركة كلو كلوكس أَوْ (كيه كيه كيه) على أنهم أبطال، بينما صور السُّود على أنهم قتَلةٌ عدوانيون وكسالى ومغفلون ولديهم فرط نشاط جنسي، يطاردون عائلات بريئة من البِيض. بعد بضعة أشهر من صدور فيلم ميلاد أمّة، تمت إعادة هيكلة حركة (كيه كيه كيه) الإرهابية العنيفة. كان لوسائل الإعلام تأثير قوي في تشكيل أفكار الناس وأفعالهم، وولادة السينما زادت من ذلك باعتبارها أشد تأثيراً على الناس. خصوصاً في البدايات عندما كان المشاهدون أقل حنكة في إدراك ما يشاهدونه. بجميع الأحوال، مثلما رأينا خلال السنوات الماضية ومنذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الناس ما يزالون يواجهون صعوبة في تحديد الحقائق من الأكاذيب التي يتلقونها من وسائل الإعلام. أتساءل إن كانوا يعرفون الحقيقة بشكل لاواع. ربما كانوا يحتاجون إلى ذلك الكذب لدعم معتقداتهم وأفعالهم الناجمة عنها. ميلاد أمَّة هو فيلم مميز فيما يتعلق بابتكار وتطوير تقنيات صناعة الأفلام التي نستخدمها اليوم. شاهدتُ الفيلم مرتين عندما كنت في العشرينات من عمري ولن أشاهده مجدداً. من غير الواضح إذا ما كان الفيلم قد ساهم في المذابح وعمليات الإعدام غير القانونية بحق السود التي كانت منتشرة خلال القرن العشرين، لكن العديد من وسائل الإعلام كانت قد ساهمت بالتأكيد في زيادة التوجس من إجرام السّود، وبات جزءاً من لاوعي كثيرين دون شك“.
على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حقَّقها السّود، يرى بويس أن هذا التصور السلبي يستمر في الهيمنة على أحكام الناس بالعموم، وأن ”هذه المشاهد البصرية السلبية تؤثر في التوظيف وجلسات النطق بالحكم وترقيات العمل. بشكل عام، لا تنظر مجتمعاتنا إلى الأشخاص السود كعلماء أحياء أو علماء فيزياء نووية، أو كأشخاص لديهم ترابط أسري قوي. بعض من أفراد عائلتي هم طيارون وأساتذة جامعيون منذ 30 إلى 40 عاماً. وما يزالون يسمعون عن أشخاص متخوفين من طائرة يقودها شخص أسود، كما يسمعون تحفظاتٍ عن قيادة الطائرات من قبل نساء. عبر الزمن، قامت الأفلام ومحطات التلفزة والكتب بتحديد شكل الطيارين ومديري البنوك والعلماء ورواد الفضاء والكُتَّاب الحاصلين على جائزة بوليتزر ورؤساء الجامعات وما إلى ذلك. تلك الصور الموجودة في لاوعينا هي ما يُشكِّل تصوراتنا عن العالم. أنا أعمل في مجال السينما والتلفزيون، لكن بإمكان هذا المجال أن يكون مدمراً“.
عاش بويس في أربعة بلدان: دومينيكا، باربادوس، أنيغا، وكندا. وهو أيضاً مواطن بريطاني. قبل قدومه إلى كندا، لم يشكل عرقه أي نوع من أنواع العوائق. “كنت محظوظاً كطفل في جزر الكاريبي لانغماسي بثقافة التنوع. كبرت وحولي السود والبيض من سكان الكاريبي، والشرق أوسطيين والجنوب آسيويين وسكان كاليناغوالأصلين، والبريطانيين والأستراليين والكنديين والعائلات الأمريكية التي أتت للعمل في تلك الجزر. كان هناك مسلمون ومسيحيون وهندوس وأوروبيون وغيرهم. كلهم ومن جميع الخلفيات كانوا يذهبون إلى أنشطة ثقافية وإلى الكنائس وفي رحلات إلى النهر خلال العطلات. بالنسبة للجزء الأكبر منا هناك، قد يتم تصنيف الناس حسب الجنسية والطبقة الاجتماعية، لا حسب لون البشرة كما هو الحال في شمال أمريكا”.
صناعة السينما والتلفزيون والتمثيل
لم يكن دخول مجال صناعة السينما والتلفزيون في كندا ما كان يتوقعه بويس في شبابه، يقول: ”عندما دخلت هذا المجال لم أجد التنوع في كندا. افترضت أن التنوع السكاني هنا سوف ينعكس على مختلف المجالات مثلما كان الحال في باربادوس. مرت نحو 25 سنة قبل بدء العمل على تغيير حقيقي. تساءلتُ أيضاً عن السبب الذي استغرق عالم السينما والتلفزيون في أمريكا الشمالية أكثر من قرن للإقرار بأنه من المربح إنشاء محتوى متنوع لعالم شديد التنوع. من أجل تحقيق ذلك، لم يكونوا يحتاجون فقط لممثلين من خلفيات عرقية متنوعة، بل أيضاً لكُتَّاب ومديري إنتاج ومخرجين ومنتجين تنفيذيين مبدعين ولديهم خبرات معاشة ليتم عكسها في المحتوى. ولا يعني ذلك بالضرورة إظهار الصدمات النفسية على الشاشة. ربما في مكان ما وبطريقة أو بأخرى أقنعنا شخص ما، أو نحن أقنعنا أنفسنا، بأن قصص السُّود التي نريد أن نراها على الشاشة يجب أن تكون حول الصدمة والإساءة والإهانة. رأيت كل تلك المشاهد والصدمات على أرض الواقع لأكثر من 20 عام. رأيت أشخاصاً سود على الشاشة يتعرضون لإطلاق النار والضرب والقتل غير القانوني، والإهانة والانتهاك والإذلال، كان هنالك مشاهد مازوخية في بعض الأحيان. تلك الصور لبثت في لاوعيي لأكثر من 20 عاماً. وكأنها تريد أن تقول للسُّود بأن هذا كل ما أنتم عليه. لكن في الحقيقة نحن لدينا حيواتنا التي نحاول أن نعيشها مثل أي شخص آخر، وعلينا أن نكون أكثر تنوعاً في المواضيع التي نطرحها والحكايات التي نحكيها، حتى ولو كانت تلك القصص تتعلق بالصدمة، ربما يتعين علينا أن نقول شيئاً آخر حول قصصنا، أو أن نرويها بطرق مختلفة. على سبيل المثال، تدور أحداث فيلم أُخرُج/Get out لـ جوردان بيل حول الصدمة والاضطهاد والتملك، لكن الفيلم يطرح ذلك بطريقة ديناميكية جديدة ورائعة. نجد أيضاً قصصاً عن الحب والفرح والمغامرة لدى السُّود، وأخرى عن الترابط العائلي والابتكار والخيال العلمي وما إلى ذلك، كلها قصص لا تطيق انتظاراً لأن تحكى”.
أما فيلم بلاك بانثر فقد كان نقطة تحول على مستوى عالمي. يقول بويس إن ”بلاك بانثر الذي أنتجته مارفل عام 2018 بطريقة ذكية، أظهر السُّود أبطالاً ومبدعين وجديرين بالاحترام. لم نلعب دور العبيد، ولم نتعرض للضرب أو الجلد على الشاشة. كان للفيلم مخرج أسود وطاقم عمل أسود. فأحدث صدمة في عالم السينما، ولاقى شهرة غير مسبوقة، وتوافد السُّود والعالم بأسره لمشاهدته. وصلت إجمالي إيرادات الفيلم إلى أكثر من 700 مليون دولار أمريكي، ليكون أكثر فيلم من إنتاج مارفل يحقق أرباحاً في الولايات المتحدة على الإطلاق، حتى حلَّ فيلم أفينجرز: إند غيم مكانه بعد بضعة أشهر. حتى الجدَّات السود ذهبن لمشاهدته، ودعا القساوسة السود الناس لمشاهدته أيضاً. شاهد الناس في جميع أنحاء العالم، من نيجيريا إلى منطقة الكاريبي فيلماً يصور شجاعة السود ومغامراتهم. كان لذلك تأثير كبير، وكان أمراً لم َنر مثله من قبل. وأشكر الله أن ديزني تمكنت من إدراك إمكانياتنا اللامحدودة. لم يكن السُّود في الفيلم عبيداً أو أعضاء عصابات أو عاهرات أو محتالين أو خادمات، وبالمثل في فيلم سبايدر مان: إنتو ذي سبايدر-فيرس، وهو فيلم رسوم متحركة عن الرجل العنكبوت الأسود مايلز موراليس. كان وسيلة ترفيه ذكية ومكتوبة بشكل جيد صوَّرتنا كملكات وملوك أمام العالم. وحتى ولو كان الفيلم عن شخصيات من قصص مصورة، إلا أن هذه التفاصيل التي تبدو تافهة قد تعطي طفلاً أسوداً شكلاً من أشكال الراحة، فهو على عكس الأطفال البيض كان قد قضى حياته بأكملها دون أو يرى انعكاساً لصورته على الشاشة”.
كان على بويس الانتظار لسنوات بعد قدومه إلى كندا ليرى بعض التغييرات على الشاشة. يقول: ”فوجئت عندما وصلت بالقدر القليل من القصص عن أشخاص يشبهونني أو لديهم ذات تجاربي. وصلتُ إلى كندا خلال موجة أفلام العصابات السود الأمريكية التي انتشرت أوائل التسعينيات بعد إطلاق فيلم بويز إن ذي هود. لم يسبق لي أو لأحد من أصدقائي أن انتمى لأية عصابة، لكن ربما شعرنا بأنه علينا أن نتبنى تلك القصص. لا يعني ذلك أنها لم تكن جيدة، هي فقط لم تكن قصصنا. أنا أسود، والأشخاص في أفلام العصابات تلك سود أيضاً، لذا كان تبني تلك القصص أمراً مسلّماً بالنسبة لنا”.
أبطال محلّيون في السينما والتلفزيون
يؤمن بويس بأهمية الاعتراف بما حدث في الماضي البعيد والقريب على حد سواء، ويقول: ”نحن نميل إلى التفكير في تاريخ السود من منظور الماضي البعيد، لكن يجب إحياء الماضي القريب أيضاً من أجل التذكير بتلك الأبواب التي فتحناها بقوة والجهود المبذولة لبقيِّتنا، من ناشطين ومنظمات ومجموعات داعمة ومنظمات غير حكومية، مثل شبكتي “Full Screen” و”The Black Film and Video Network”. لحسن الحظ، هناك العديد من الكيانات والأشخاص الذين سعوا من أجل التغيير على مر السنين. كانت فترة التسعينيات تعجُّ بأشخاص مؤثرين، مثل كاميرون بايلي وكارين كينغ وغليس لاورنس وكلير برييتو ولانا لوفيل وديرك مكلاين، وكثيرون آخرون ممن سعوا لتحقيق المساواة والوعي في صناعة السينما والتلفزيون. إيرل وايت هو بطل آخر غير تقليدي وغير معروف، ساهم في إدخال كثير من الأشخاص الملونين إلى صناعة السينما خلال أكثر من 20 عاماً، ولسوء الحظ، تم تجاهل مساهماته تلك والتقليل من شأنها إلى حد كبير”.
في نفس الصف، على الرغم من اختلاف تجاربنا
لدى بويس شغف بالتنوع ورؤية الأصوات المختلفة من كافة أنحاء العالم على الشاشة. لذا هو يعمل مع عدد من الجهات التي تدعم المبدعين من السود والسكان الأصليين والملونين، ويجمعهم اختصار كلمة بايبوك أو أيبوك باللغة الانكليزية BIPOC/IBPOC. هم بحسب بويس ”مجموعات واجهت مظالم منهجية وتم تهميشها تاريخياً“. ويضيف: ”على الرغم من اختلاف تجاربنا، لكن هذا المصطلح يساعد على توحيدنا ومنحنا القوة لنحمل العبء سويةً عندما عندما يكون أكثر من قدرتنا على تحمله. ثمة فروق بين النضالات التي يخوضها كل منّا، لكن بوسعنا الاتحاد بغرض التضامن. أنا أؤمن بالتنوع والشمول الحقيقيَّيْن. لكننا كبشر ننحو للمضي باتجاه واحد فقط بعد خروج إحدى حركات التغيير. لكن التغيير يحتاج لأن يقوم على عدة مستويات، فمثلاً بعد حركة مي تو/أنا أيضاً، اعتقدت بعض المنظمات أنها حققت العدالة والإنصاف على المستوى الجندري، لكن جميع العاملات لديهم كنَّ من النساء البيض فقط، ولم يدركوا أنهم استبعدوا النساء الأخريات. بعد مقتل جورج فلويد ازدادت نسبة السُّود العاملين في مجال صناعة السينما والتلفزيون، وهو أمر رائع، لكن العالم متنوع ويجب نذكر المجموعات الأخرى من أجل تحقيق التوازن. الهدف هو تحقيق التنوع والشمول بشكل كامل لكافة أطياف المجتمع. بهذا أعني الجميع بمختلف أعمارهم وأجناسهم، بمن فيهم المثليون وذوي الإعاقة والنساء والرجال. أعني العالم كله. هذا ما يعنيه التنوع والشمول، العالم. هذه المفاهيم ليست شديدة التعقيد. تحقيق الإنصاف لفئة واحدة من الناس، لا يكفي. من الملفت للنظر أن ثمة كثيرين ممن يعتقدون أنهم يدعمون التنوع والشمول من خلال استهداف فئة مجتمعية واحدة. لقد أمضيتُ عمري أحاول أن أشمل الجميع”.
يؤمن بويس أيضاً بأن التضامن بين السود والسكان الأصليين والملونين يساعدنا في التعامل مع الصدمات التي يمرون بها. ويقول: ”يمكن للعنصرية أن تسبب صدمات نفسية قد ترسلك إلى القبر مبكراً مع كل هذا الضغط النفسي والعاطفي والذهني. للغضب واليأس والإحباط تجليات جسدية أيضاً، قد يكون مدمراً الاضطرار للتعامل معها“.
ويخلص إلى أن ”الحياة هي أن نتعرف على تجارب الناس باختلافاتهم قدر ما نستطيع. وعندما نثقف أنفسنا بهذه التجارب نقلِّص الصراعات فيما بيننا. إذا فعل الجميع ذلك قد يصبح العالم أكثر تناغماً. يقول الناس إن الحياة ليست عادلة. صحيح أن الإنصاف هو هدف بعيد المنال، وأن الحياة لن تكون يوماً عادلة. لكن سعينا الدائم نحو العدالة هو الكسب الحقيقي، مهما كلف ذلك من ثمن”.