“المُستباحون” وسؤال المواطنة

إريك كيم

رسام وفنان كوري كندي يعيش في تورنتو، يدرس في قسم كندا المعاصرة في جامعة تورنتو. رسم كيم عدداً من الكتب، كقصص الأطفال والروايات المصورة، ويعمل حالياً في مكتبة تورنتو العامة.

على الرغم من أن معسكرات الاعتقال التي استهدفت الجالية اليابانية في كندا حدثت في أعقاب استهداف اليابان لميناء بيرل الأميركي، إلا أنها لم تكن لتحدث لولا مشاعر الكراهية ضد الآسيويين، والتي بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر. كان التجلّي الأعظم لذلك في إنشاء رابطة إقصاء الآسيويين، التي كان أحد أعضائها ألكساندر بيثون، محافظ فانكوفر. اتضح هذا الضغط السياسي والمجتمعي عبر سنّ رئيس الوزراء حينها، وليم ليون مكنزي، القرار رقم 1486، الذي أدى إلى تهجير 21 ألف شخص من أصول يابانية الساحل الشرقي لمقاطعة كولومبيا البريطانية إلى معسكرات اعتقال تم تمويل إنشائها عبر بيع ممتلكات الكنديين اليابانيين.

بحلول العام 1945، جنّدت قوات الحلفاء عدداً صغيراً من الكنديين اليابانيين دلالة على تغيير موقفها في أعقاب الحرب. بدأت المواقف بالتغيّر في كندا بفضل مساعدة مجموعات الضغط من المقاطعات الأخرى (اللجنة التعاونية للكنديين اليابانيين ومقرها تورونتو)، التي أصدرت مطبوعات مثل “تحدٍ أمام حب الوطن والحنكة السياسية”. سيؤدي ذلك إلى اعتراف الحكومة، عن غير قصد، بالولاء الذي أظهره الكنديون اليابانيون لكندا. كان إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي تم تبنيه في 10 ديسمبر 1948، قد أجبر كندا على الاعتراف بحقوق الكنديين اليابانيين. وقد أشار الكاتب الياباني روي إيتو لاحقاً إلى ذلك بالقول إن كندا “تعهدت في الأمم المتحدة حديثة التأسيس باحترام حقوق الإنسان الأساسية كرامته، والحقوق المتساوية للرجل والمرأة. وبناء على ذلك لم يعد التحيز والعداء العنصري أمراً مقبولاً”.

للأسف، استخدمت السياسة المحافظة، سياسة ترمب على سبيل المثال، العنصرية مرة أخرى لتوحيد الناخبين الغاضبين والضغط على السياسيين الضعفاء الطامحين بالانتخاب مجدداً. لا يمكن لأحدنا إلا أن يتساءل إن كانت معسكرات الاعتقال أو ما يشابهها قد تتكرر في مستقبل المواطنين المهميشين أو المتمايزين عنصرياً. عبر النظر إلى معسكرات الاعتقال اليابانية على سبيل المثال، والاستفادة من الأطر الاجتماعية النظرية، سأبحث في سؤال كيف يُجرًّد المواطنون المتمايزون عنصرياً من حقوقهم من جانب الدولة التي تمارس قوتها بذريعة إحقاق الأمن. 

حالة الطوارئ التي أعلنها رئيس الوزراء وليم ليون مكنزي في أعقاب الهجوم على ميناء بيرل مكّنته من استخدام السلطة المنصوص عليها في قانون تدابير الحرب، وقد اشتمل ذلك على استخدام معسكرات الاعتقال للحفاظ على الأمن القومي. كان الكنديون اليابانيون آنذاك، الذين تم اعتبارهم “حلفاء للأعداء”، قد تجردوا من حقوقهم وانتمائهم. وقد ناقشت حنة أرندت هذه المشكلة قائلة إن “حقوق الإنسان هي حقوق مدنية، تعتمد على المجتمع السياسي لتحقيقها”. نقد أرندت لإعلان حقوق الإنسان يفنّد اعتقاداً شائعاً، وهو أن حقوق الإنسان تُستخدم كمرجع لمعارضة الانتهاكات التي ارُتكبت بحق الكنديين اليابانيين. إلا أن إعلان الأمم المتحدة “لم يكن مُلزماً من الناحية القانونية”.

هناك عدة أحداث تنطوي على تجريد مواطنين كنديين من حقوقهم باسم الأمن القومي، وقد درست فالنتينا كابوري قضية المواطن الكندي عمر خضر الذي أمضى عشرة أعوام في سجن غوانتامو. من الناحية النظرية، لا يجب لهذا أن يحصل، فجنسية خضر الكندية كان يجب أن تحميه من انتهاك حقوقه.

تصل كابوري إلى نتيجة تنقّح مفهوم أرندت، إذ تقول إن طرح أرندت، في حالته المجردة، يفشل في التعرف على ديناميات القوة التي تمتلكها العنصرية. مضيفة أن “سبب التمييز العنصري هنا، كما قال فوكو سابقاً في 1976، هو أن العنصرية تُعدّ شرطاً مسبقاً لممارسة الحق في القتل. وقتل الشخص باعتباره هدفاً سياسياً هو ما شهدناه في قضية عمر خضر. وبسبب الطريقة التي اختارت بها كندا التمييز العنصري ضد خضر تم تقديمه إلى الرأي العام الكندي على أنه خطر ولا يستحق الحقوق التي حصل عليها مع ولادته”. تقول كابوري، عبر دراستها لشيرين رزاق وجيورجيو أغامبين وإدوارد سعيد، إن التمييز العنصري ضد خضر كان ضرورياً لإزالة حقوقه القانونية في أذهان الكنديين، وجعل إعدامه مقبولاً إذا اختارت الدولة ذلك. 

دراسة قضية خضر تكشف لنا عن فرد تم تجريده وتسييس إنسانيته. يُعدّ هذا تصنيف أغامبين لحالة الحياة المجردة، إذ يصبح الفرد هدفاً لعنف الدولة بالتحديد. يصف أغامبين هذا الشخص بأنه “مستباح الدم”، كناية عن القانون الروماني الذي يوضع فيه الفرد خارج حدود القانون، بعيداً عن متناول رفاقه، ولا يمكن تحطيمه إلا من قبل السلطة.   

من هذه الناحية، تشارك خضر واليابانيون الكنديون في عدة نواح، إذ كانوا “مستباحي الدم”. ليس لأنهم وضعوا خارج القانون (في غوانتامو في حالة خضر، ومعسكرات الاعتقال في حالة اليابانيين الكنديين)، ولكن لأن القانون أصبح بعيداً عن متناولهم. تُمثّل المعسكرات حالات استثنائية: “منطقة لا يمكن التمييز فيها بين الداخل والخارج، الإقصاء والشمول”، وهي “بداية الارتباط بين الطبيعة والثقافة”. 

الأسوأ من ذلك أن إنشاء المعسكرات اعتُبر إجراءً وقائياً. تقتبس باكور في هوامشها كلام أغامبين عن معسكرات الاعتقال النازية حين يقول: “لم تكن الأسس القانونية لمعسكرات الاعتقال موجودة في القانون، إلا أن إجراءات شوتزهافت (تعني حرفياً الحبس الاحتياطي) كان المحلفون النازيون يصنفونها على أنها إجراءات وقائية من قبل الشرطة، وقد أباحت حجز الأفراد حتى لو لم يرتكبوا أي جرائم، فقط لتجنب الخطر على أمن الدولة”.

يمكن للسلطة إذاً، بطريقة غريبة، أن تدعي وجود خطر بسبب وجود أفراد يمثّلونه. بيد أن هؤلاء الأفراد عاجزين عن الوصول إلى الأدوات القانونية ومحاولة إثبات براءتهم نظراً لوجود حالة طوارئ سببها بالأصل وجودهم. يقول غامبين إن شرعية حالة الطوارئ ليست حقيقية، مشيراً إلى أنها “نتيجة قرار غير موضوعي قائم على تفسير موجّه للأوضاع القائمة”. كان هدف الحكومة من معسكرات الاعتقال للكنديين اليابانيين هو إخراجهم من الساحل الشرقي لكولومبيا البريطانية ومن كندا في نهاية المطاف. إلا أن إعلان الأمم المتحدة لحقول الإنسان، الذي تمت صياغته من قبل إليانور روزفلت والحقوقي الكندي جون همفري، طعن في شرعية الادعاء الذي أدى إلى حالة الطوارئ في المقام الأول.  

تجادل كل من كابوري وباكور بأن هذه الأحداث ستستمر بالحصول. تستدلّ كابوري على احتمالية وقوع ذلك بحقيقة أن الديناميات العنصرية ما زالت قائمة، بينما تعتقد بيكور باحتمالية استمرارها لأن حالة الاستثناء لا تنتهي طالما استمرت السلطة بتحديد “مستباحي الدم” للحفاظ على حالة الطوارئ الدائمة.

ما شغلني في الفترة الأخيرة كان  ضمن ما وصفته هيذر هيرمانت بكونه “الوطنية المتجانسة”، أو في هذه الحالة “العرقية المتجانسة”: أي الوطنية التي يمارسها أبناء الشتات مقابل الحصول على الحماية من هذا البلد، وهي حماية غير مضمونة على الإطلاق.

السؤال المطروح حول إمكانية حصول حالات اعتقال للمجموعات والأفراد مرة أخرى يمكن الإجابة عليه بأن ذلك قد يحصل بأشكال مختلفة. لقد حصل في حالة خضر بذريعة الإسلاموفوبيا، ويحصل بحق السكان الأصليين عبر عزلهم، ويحصل بحق مجتمعات السود عبر الإفراط في استخدام قوة الشرطة، وفي حالة العابرين جنسياً لدى استهدافهم بالتشريعات. نرى ذلك يحدث اليوم بحق الشعوب الآسيوية خلال الوباء حين نرى العنصرية تحتل الفضاء العام وتتحول إلى اعتداءات وقتل، كما حصل في اعتداء جورجيا المسلح في 19 مارس هذا العام.

السؤال الذي أفكر فيه الآن هو: “كيف يمكننا المساعدة، في سياق كندا والولايات المتحدة، على توضيح فكرة أن الانتماء العرقي لا علاقة له بالمواطنة؟ وهل يمكننا توسيع تعريف الكندي أو الأمريكي لكي لا يكون محصوراً بالشخص الأبيض؟”.

المصادر:

Capurri, Valentina. “Omar Khadr, Hannah Arendt, and the Racialization of Rights’ Discourse.” Studies in Social Justice vol. 10, Issue 1, 2016, pp. 147-66.

Mills, Catherine. Giorgio Agamben (1942– ). n.d. https://iep.utm.edu/agamben/. Accessed March 23rd, 2021.

Oman, Natalie. “Hannah Arendt’s ‘Right to Have Rights’: A Philosophical Context for Human Security.” Journal of Human Rights vol. 9, Issue 3, 2010, pp. 279–302.

Pacor, Andrea. Natural Life, Manufactured Feelings: National Identity, Bio-Political Power and the Japanese American Internment. ProQuest Dissertations Publishing, 2007.

Schabas, William A. “Canada and the Adoption of the Universal Declaration of Human Rights.” McGill Law Journal vol. 43, Issue 2, 1998, pp. 403–441.

Yatabe, Susan. Remembering Japanese Canadian efforts in the World Wars. 14 November 2017. Nikkei Research and Education Project of Ontario. http://nikkeivoice.ca/remembering-japanese-canadian-efforts-in-the-world-wars/. Accessed March 23rd, 2021.

Sunahara, Ann Gomer. The Politics of Racism: The Uprooting of Japanese Canadians during the Second World War. Lorimer, 1981.

Black, Norman F. “A challenge to Patriotism and Statesmanship.” http://nikkeimuseum.org/www/item_detail.php?art_id=A41059. Accessed April 25th, 2021

Library and Archives Canada. ” Japanese Canadians: From immigration to deportation.” https://www.bac-lac.gc.ca/eng/discover/immigration/history-ethnic-cultural/Pages/japanese-immigration.aspx. Accessed April 25th, 2021.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى