تاريخ كندا تحت مجهر الشباب
فريق حنا
شهد العقد الماضي واحدة من أوسع موجات الهجرة من الشرق الأوسط، على ضوء انسداد الأوضاع السياسية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية اللاحقة لها. مئات الآلاف غادروا بلادهم إلى بلاد أخرى لبدء حياة جديدة، وبعد اجتياز هزة الاقتلاع والانتقال إلى مكان جديد، علينا نحن اللاجئين في بلادنا الجديدة التفكير في أحوالها وحاضرها وماضيها. قد يكون السؤال الأكثر إلحاحاً بالنسبة لنا اليوم هو عن الأدوات التي يجب علينا امتلاكها لنكون أكثر تأثيراً وحضوراً في المشهد. الجواب الأبسط لهذا السؤال هو أن نكون قادرين على امتلاك المعرفة الضرورية.
ليس سراً أن هناك صورة مثالية يتم الترويج لها عن كندا في أوساط القادمين الجدد. تشكلت هذه الصورة عبر تقديم كندا كمكان منفتح ومثالي ومتعدد الثقافات وخالٍ من أي مشاكل، دون الغوص عميقاً في الإشكالات التاريخية التي تواجه مكونات هذا المجتمع، والتي ما زالت آثارها حاضرة حتى اليوم.
كمواطنين جدد في هذه البلاد، وكجزء من حاضرها ومستقبلها، يجب علينا الإحاطة بقضاياها والنقاشات التي تدور فيها. لن نكون قادرين على المساهمة والحضور في هذه المجتمعات دون امتلاك المعرفة اللازمة لخوض هذه النقاشات. علينا، بناء على ذلك، إدراك وفهم بنية القوة في هذا المكان وسماع أصوات ضحاياها.
تعد قضية السكان الأصليين من أكثر القضايا التي يتوجب علينا فهمها. فهذه القضية تحيلنا إلى نقاش مديد حول تاريخ كندا المعاصر، وقضايا الاستعمار والدولة الحديثة. ما زال السكان الأصليون يعانون حتى اليوم من آثار السياسات التمييزية بحقهم منذ تأسيس هذه الدولة. وتعد قضية المدارس الداخلية واحدة من أكثر الفصول ألماً في هذا الصدد. وقد جاء اكتشاف رفات 215 طفلاً قبل أسابيع ليدفع هذا الفصل المؤلم إلى الواجهة. خرجت المظاهرات التضامنية مع الضحايا على في معظم المدن الكندية. والغضب الذي فجره هذا الحدث أدى إلى تحطيم رموز تاريخية في كندا، مثل تمثال إيغرتون رايرسون، الذي صمم نظام المدارس الداخلية الكندية. واليوم تقف كندا في مواجهة تاريخها الاستعماري برمته وتعيد النظر فيه.
كقادمين جدد ومستوطنين في هذا البلد، علينا أن نستمع إلى أهله. إلى أهله الأصليين. فالمكتسبات التي نتنعم بها في هذا البلد، كالشعور بالأمان والحقوق المدنية والديمقراطية، يقابلها تهميش مستمر للسكان الأصليين ومناطقهم. أعجبنا الأمر أم لم يُعجبنا، نحن في مواجهة سؤال أخلاقي عميق: هل نقطف ثمار هذا النظام دون التعرض له أو انتقاد ماضيه وحاضره؟ أم نكون إلى جانب سكانه الأصليين في نضالهم ضد تهميش مجتمعاتهم ومحاولات تحطيمها؟
السكان الأصليون واللاجئون يعرفون جيداً مرارة القمع والتمييز. هم يتشاركون الكثير من الخبرات والقيم والمشاعر. وقد كان بليغاً للغاية في هذا الشأن تزامن اكتشاف رفات الأطفال الـ215 مع جريمة الدهس بحق عائلة مسلمة في مدينة لندن في مقاطعة أونتاريو. ضحايا الكراهية يتشابهون حين يتشابه الجناة.
ردم الهوة بين اللاجئين والسكان الأصليين هي خطوة في غاية الأهمية. منظمة بام لاحظت هذه الحاجة وقررت إقامة نشاط يهدف إلى ذلك. سيتضمن هذا النشاط نقاشاً ومشاركة فنية بين الشباب من اللاجئين والسكان الأصليين “للتعلم عن تاريخ كندا وتعزيز قدرة هذه المجتمعات لمواجهة العنصرية والتمييز والظلم”. يهدف هذا النقاش إلى “تشجيع الشباب على التذكر والتعلم من الماضي والحرص على عدم تكرار مآسيه ومظالمه”، بحسب مبادرة بام.
جينا روبر، سفيرة مجتمع السكان الأصليين وعضو في منظمة بام، قالت لموقع حِنّا إن “ما يتشارك به الناس أكثر مما يختلفون به عن بعضهم. ويصح هذا القول بين القادمين الجدد والسكان الأصليين في ترتل آيلاند (أميركا الشمالية). يتشارك السكان الأصليون والقادمون الجدد في بحثهم عن المساواة. لديهم ثقافات عريقة والكثير من الخبرات التي ينبغي مشاركتها. سيكون هذا الحدث مهماً لأنه يجمع هذين المُجتمعَين للشروع في الحوار. هذا الحوار الأول من نوعه سيركز على تاريخ كندا الاستعماري وآثاره على السكان الأصليين، وأهمية تعلم الأدوار التي ينبغي علينا القيام بها للمضي قدماً”.
وأضافت روبر: “نتوقع أن تتعلم كل مجموعة شيئاً من الأخرى. ذلك أن كل مجموعة ستدخل هذا الحوار بتوقعات وأفكار عن الآخر، إلا أننا نأمل أن يتم التركيز على التشابهات والتقاطعات التي من شأنها إقامة روابط بين المجموعتين”.
وقالت حنان نعناع وهاني الموليا، مؤسسا منظمة بام: “لقد لاحظنا كقادمين جدد وجود ثغرات كبيرة في النظام الذي يوفر المعرفة حول تاريخ للسكان الأصليين في كندا. فعبر ما يتم روايته، رأينا أن هناك العديد من القوالب النمطية السلبية المرتبطة بالسكان الأصليين، بما في ذلك الافتراضات المتعلقة بإدمانهم على الكحول والمخدرات والبطالة والقصص المتعلقة بالعنف. لقد قيل لنا أن شباب السكان الأصليين ليسوا ودودين أو مرحبين بالمهاجرين الجدد. هذه الافتراضات تؤسس لفهم متحيز وغير موضوعي لثقافة السكان الأصليين وتاريخهم داخل مجتمعاتنا ومجتمعات الوافدين الجدد الأخرى”.
وأضافت نعناع والموليا أن هذا “يكرس العنصرية والتمييز والتحيز الذي يواجهه شباب السكان الأصليين. يجب علينا القيام بدورنا في تثقيف مجتمعاتنا لضمان ألا يكون القادمون الجدد جاهلين بمسألة المدارس الداخلية، والآثار المستمرة للقانون الهندي والقوانين السابقة، وأهمية المعاهدات، أو مساهمات الشعوب الأصلية في كندا”.
منذ عام 2019 ، تعمل منظمة بام -وهي جماعة يقودها الشباب تهدف إلى تمكين الشباب الساعين للمساواة من خلال المشاركة الفنية والمجتمعية في أونتاريو ونيويورك- عن كثب مع شباب السكان الأصليين في جميع أنحاء كندا. لاحظت المنظمة وجود فجوة واسعة في التثقيف حول السكان الأصليين، وأدرك القائمون عليها مدى الحاجة إلى وجود مساحة شجاعة لكلا المجتمعين للالتقاء وتبادل الخبرات الشخصية لتلبية الاحتياجات المشتركة والاحتفال بالنجاحات المشتركة عبر الحوار والفن وبناء العلاقات.
احتفاءً بالشهر الوطني لتاريخ السكان الأصليين، أطلقت بام هذه المحادثة لسد الفجوة بين القادمين الجدد السوريين والشباب من السكان الأصليين في أونتاريو. هذه المحادثة تأتي بإشراف مؤسسة ليد لو، وإننوويف، وبالشراكة مع المؤسسة السورية الكندية، وحركة اللاجئين السكان الأصليين، ومنصة حِنّا لخلق معرفة مشتركة حول التاريخ الكندي والحرص على عدم تكرار مظالمه.
سيقام نشاط بعنوان “التعافي عبر الموسيقى والحوار” في تاريخ الأول من تموز في الساعة السادسة مساء بتوقيت تورنتو. سيتم فيه الحداد على الأطفال الـ215 الذين تم اكتشاف رفاتهم في مدرسة كاملوبس في مقاطعة كولومبيا البريطانية، والحديث عن أهمية الاعتراف بالأرض للسكان الأصليين، إضافة إلى تشجيع القادمين الجدد لمعرفة تاريخ السكان الأصليين. سيستضيف النشاط محاضرة لأكاديمية من السكان الأصليين ستقوم بإدارة النقاش حول المدارس الداخلية وآثارها المستمرة، إضافة إلى نشاط فني.
سيكون هذا النشاط فرصة للقادمين الجدد ومجتمعاتهم للقيام بدورهم في معرفة الإبادة التي ارتُكبت في كندا بحق السكان الأصليين، بهدف العمل على الوصول إلى الحقيقة والمصالحة. هذه دعوة لمشاركة الشباب من القادمين الجدد والسكان الأصليين ليكونوا جزءاً من هذه الرحلة الهادفة إلى مد الجسور بين المجتمعين. على الراغبين بالمشاركة ملء هذه الاستمارة، علماً أن الأماكن قد تكون محدودة.