الجرأة بأن تكون تحت الضوء
لقاء مع إبتي ناباغ
لقاء مع إبتي ناباغ، فنانة بصرية سودانية-كندية. تعمل كمدرِّبة تصوير فوتوغرافي، وتتعاون مع مراكز إجتماعية وصالات عرض لتطوير برامج فنية توفر فرصاً للتعبير الذاتي وتسعى لتطوير الهوية.
حاورتها كنانة عيسى
ترجمة عُلا برقاوي
إبتي هي فنانة مؤثرة لديها شغف بالفن التركيبي والتوثيقي. تستخدم التصوير الفوتوغرافي كوسيلة لاكتشاف ذاتها وفهم هويتها، والفن كحلقة وصل مع جذورها. تركِّز على وضع الأشخاص الملوّنين في دائرة الضوء، آملة بإنشاء جسور التواصل بين الناس والمجتمعات. إلى جانب عملها الشخصي، تعمل إبتي كمدربة ومشرفة على ورشات عمل للتصوير الفوتوغرافي التي تشجع اليافعين الملوَّنين على استكشاف هوياتهم وتساعدهم على النجاح. ربما تكون قد شاهدتَ أعمالها الفنية المعروضة على بعض من مباني سكاربرو.
بمناسبة شهر تاريخ السّود، تتحدث إبتي مع منصة حِنَّا حول السَّواد كهوية، وعن العنصرية غير المقصودة، وعن ما يعنيه التنوع والشمول حقيقة. ستركز إبتي في حديثها كفنانة، على الدور الذي يلعبه الفن في فهم تعقيدات الهويات العرقية، وكيف يحتفي التصوير الفوتوغرافي بوجوهنا تحت الضوء.
فهم الهويات المعقدة من خلال الفن
إبتي فنانة بصرية سودانية-كندية. هاجرت إلى كندا من من المملكة العربية السعودية في سن مبكرة. تتحدث لـ حِنَّا عن تأثير هذه الخلفية المعقدة على أعمالها الفنية وتقول: ”إلى جانب البلدان المتعددة التي نشأت فيها، يقول البعض إن للسودانين دماء مختلطة، لا سيما من خلال الزيجات المختلطة عبر التاريخ. وهذا ما يضيف تعقيدات أكبر لهويتي التي لا يمكنني بالضرورة الإلمام بكل مستوياتها. كفنانة، أنا متخصِّصة في التصوير التوثيقي، وتطغى تجاربي الحياتيَّة على تفاصيل عملي الشخصي. أستخدم الفن كوسيلة لتحدي محيطي وتجربتي الحية. واحد من أعمالي السابقة كان بعنوان حركة في التقاليد، والذي كان منظاري (أو تلسكوبي) لمعاينة التقاليد السودانية التي نشأت عليها والتركيز على أصل تلك التقاليد، ومن أين أتت وإلى أين تتجه. أردت أن أواجه ما تعنيه هويتي كسودانية-كندية، وأستكشف من خلاله العلاقة الخاصة مع الثوب السوداني (التُّوب بالعامية)، وهو زيٌّ تقليدي ترتديه النساء هناك، خاصة لدى زواجهن. هذا العمل فتح حوارات وأسئلة بيني وبين والدتي. أردتُ أن أفهم علاقتي بهذا الجزء من التقاليد. رحلة الاستكشاف الشخصية تلك كشفت لي حقائق أكثر مما توقعت، وساعدتني على فهم ثقافتي وبلدي الأصل بشكل أفضل. اتَّضح لي أن تصاميم الثوب السوداني كانت تتغير خلال السنوات وفقاً للأحداث التي كانت تمر بها البلاد. في هذا العمل، ذهب الحديث بين الأم وابنتها أبعد من ذلك في اكتشاف أحداث سابقة حصلت في السودان، غنية بمعانٍ سياسية واجتماعية وتاريخية وثقافية. ثم تقاطع كل ذلك مع أسئلتي حول الهوية والانتماء، وكيف أنني كندية وسودانية في آن واحد”.
بصفتها مُدربة وفنانة مجتمعية، تعمل إبتي على استخدام التجربة الشخصية بالعلاقة مع الفن في طرق التدريس التي تعتمدها، عندما تشجع اليافعين على الحديث عن هوياتهم والتعبير عن أنفسهم بطرق مختلفة: ”أساهم مع منظمات ومعارض فنية في إنشاء محتوى يعتمد على عدسة الكاميرا. وأشرف على ورشات عمل أساعد اليافعين من خلالها في الاطلاع على التصوير الفوتوغرافي التناظري وبرامجه، والذي كان أول ما تعلمته في مجال التصوير في بداياتي. التصوير التناظري يعتمد على التباطؤ، ويجعلك منسجماً مع عملية خلق الصورة بدلاً من مجرد التقاطها. يساعد السرد المرئي للقصص على تطوير الهوية وفهم علاقتنا بمحيطنا، وعلى دمج الأفراد بمجتمعاتهم. إنه محادثة مرئية تبدأ بالبحث في عمق الهوية المجتمعية وقضاياها. أحاول أن أشارك قليلاً من منهجية عملي الخاص في ورشات العمل التي تضم يافعين، فأجعل من التصوير الفوتوغرافي والفن أداة لفهم التجارب الشخصية. وهذا يساعد في إظهار أهمية العمل الإبداعي ورواية القصص بشكل مرئي، حينها يبدأ اليافعون في إدراك مدى قوة الكاميرا وتأثيرها، فأحملهم بذلك على إنشاء عمل شخصي يعكس تجاربهم الحياتية. من خلال معرفة أنفسنا بشكل أفضل، نستطيع أن نشكل روابط مع العالم. لا أفرض عليهم مواضيع محددة، بل أفتح لهم المجال ليكتشفوا أنفسهم، وبهذه الطريقة يصبح بإمكانهم تحديد ما يجب التفكير فيه ملياً لدى سردهم البصري لقصصهم. وفي وقت لاحق، إن أرادوا الاستمرار فيمكنهم سرد قصص عن أشخاص آخرين. ونظراً لأن جميع اليافعين في هذه البرامج التدريبية هم من الملونين، فينتهي بنا الأمر بتغطية مواضيع مختلفة مثل العرق والهجرة والجندر والصحة النفسية وغير ذلك. كما أنهم يستطيعون إيصال أفكارهم بشكل مفهوم، وإيجاد طرق شتى للتعبير عن أنفسهم ومعتقداتهم، وهذا يساعدهم على تقدير تجاربهم الحياتية، واكتساب الثقة بما هم عليه”.
إن التواجد في برنامج تدريبي فيه طلاب متنوعون يساعد إبتي على فهم أوسع للخلفيات ووجهات النظر المختلفة: ”معظم اليافعين الذين أعمل معهم هم من مجتمعات القادمين الجدد والجاليات الأفريقية وجنوب آسيا وأمريكا الجنوبية. أبذل قصارى جهدي بحيث تشمل المواد التي أشاركها مع الطلاب انعكاساً لتجاربهم جميعاً. المجموعة الطلابية المتنوعة تقدم وجهات نظر متعددة بدلاً من المنظور الذي يحمل بعداً واحداً. وهذا يوفر فرصاً للتعرف على أجزاء مختلفة من العالم، ويخلق بيئة تعليمية غنية للجميع بمن فيهم أنا كمدرِّبة. في طرق التدريس التي أنتهجها، أعرض ثقافات وقصصاً متنوعة من أجل أن تساعد الطلاب على إيجاد مساحتهم الخاصة والشعور بالانتماء. يمكن أن يكون هناك حواجز لغوية في بعض الأحيان، وهنا يصبح دور التصوير الفوتوغرافي أكثر أهمية، لأنه بصري، ويجعل من عملية التواصل أسهل. من المهم إعادة كتابة التاريخ وطبع بصماتنا كملوَّنين فيه، نحن جزء من هوية هذا الفضاء متعدد الثقافات، وعلينا أن نضيف لمعالمه التاريخية وجوه السُّود والقادمين الجدد وسكان البلاد الأصليين“.
التحديات العرقية و“عمى الألوان/التمييز العنصري“
واحد من أكبر التحديات التي تواجه إبتي هو تركيزها في عملها على تصوير الهويات العرقية الملونة. تقول: ”ليس من السهل اقتحام هذا المجال وترك بصمتك الخاصة فيه. إذا كنت شخصاً ملوناً، فعليك أن تعمل بجهد مضاعف من أجل عرض عملك للناس في المعارض ووسائل الإعلام، وعليك زيادة إنتاجك 10 مرات أكثر من شخص أبيض يسعى إلى الوصول للفرصة ذاتها. أما ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً هو كوني امرأة. وهذه ليست هي المشكلة الوحيدة. لأنني سأواجه معوقات أخرى حتى عندما أتمكن من عرض أعمالي. وإذا ركزت على مجتمع معين، كيف ستتجنب اهتمام المشاهدين بعملك لمجرد كونه غريباً أو مختلفاً؟ وكيف ستتجنب الأحكام العامة أو التمييز العنصري؟“.
تعتبر إبتي نفسها محظوظة لأنها تعمل مع منظمات لديها وعي عال تجاه القضايا العرقية، لكن هذا الحال لا ينطبق على حياتها اليومية، فهي ترى أن ”التعددية الثقافية في كندا تجعل من النظرة إلى الأشخاص السُّود مختلفة قليلاً عن غيرها، لكننا ما نزال نشهد تحيزاً وعنصرية ممنهجة وما إلى ذلك. في كندا نرى كثيراً من درجات السواد في لون البشرة، وباختلاف تلك الدرجات تختلف االتجارب على الرغم من أنه يُنظر إلينا جميعاً كسُود. أدرك بذلك للأسف أنني محظوظة بشكل ما بسبب لون بشرتي الفاتح، رغم أشكال العنصرية الممنهجة التي أواجهها. الجميع في السودان هم من ذوي البشرة السوداء، وهذا لم يضطرَّني سابقاً للتعلم عن مفهومّي العنصرية والتحيُّز. لكن بعد أن هاجرت إلى كندا، كان ينبغي عليَّ فهم أنني سوداء، وبسبب ذلك يجب أن أنظر إلى أشياء بسيطة بطريقة مختلفة عن البيض هنا. مجرد معرفتي بأن هناك تمييزاً عنصرياً في تقييم حدَّة الألم كانت صادمة، ولطالما جعلتني أتجنب الذهاب إلى المستشفيات، حيث أن كثيرين يعتبرون السود أصحاب بشرة أكثر سمكاً وبالتالي لديهم القدرة على تحمل الألم لوقت أطول”.
ليس التمييز العنصري المباشر هو التحدي الوحيد الذي تواجهه إبتي، ففي بعض الأحيان، تضطر إلى مواجهة إنكار البعض لتجربتها. تقول: ”هناك من يتبنى أيديولوجيا عمى الألوان، وهذا يعني أنه يتجاهل تاريخاً كاملاً للسُّود، وينكر العبودية والاستعمار الَّلذين استمرا قروناً، ويعتبر أن العنصرية الممنهجة غير موجودة. إنه بذلك لا يعطي اعتباراً لتجارب السُّود المريرة، فأشعر بأنه لا يراني، ولا يرى كيف أنه بتبنٍّيه عمى الألوان يشارك في ممارسات عدم المساواة وعدم الإنصاف. من المعيب إنكار تجارب السود، وعدم الالتفات إلى الطريقة التي ينظر فيها المجتمع إلى لونهم. هذا أحد أشكال الجهل، لأن جميعنا بحاجة إلى معرفة المزيد عن تاريخ السُّود، وهذا الشهر هو فرصة للتثقيف بشأنه“.
التنوع والشمولية والعمل لتحقيقهما
ترى إبتي أن الشمولية لا تأتي دون السعي لتحقيقها، لأن هناك دائماً ما يجب القيام به في سبيل فهم تجارب الآخرين، وتقول إن ذلك ”يتعلق بالذهاب بأنفسكم إلى أماكن يمكنكم فيها التعرف على الثقافات والمجتمعات الأخرى، بدلاً من أن تتوقفوا عند شبكة معارفكم الضيقة. صحيح أنه يوجد قدر من الراحة في الأماكن المألوفة بالنسبة لكم، لكن تحدي منطقة الراحة تلك سوف يساعدكم على التواجد مع الناس وسد الفجوات في طرق تفكيركم. ولا بأس في طرح الأسئلة إن كنتم تحاولون تثقيف أنفسكم وجعلها منفتحة على سماع تجارب الآخرين. بعض الأسئلة قد تشكل حالة تحريض لدى البعض، والحصول على بعض الثقافة قبل طرح الأسئلة قد يساعدكم على فهم مصدر هذا التحفيز. ابتعدوا عن الافتراضات واستمروا بطرح أسئلة مفتوحة الطرف. لا بأس أيضاً بالتحري الدقيق في الأخبار وعدم أخذ الأشياء على ظاهرها. ابحثوا عن المعلومات في مواقع الإنترنت وابقوا حذرين في تصديق ما تقرأون. الآن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بإمكانكم البدء في متابعة المصادر المناسبة وتلقي المعلومات الصحيحة منها، إذ توجد الكثير من المدونات والحسابات التعليمية في إنستغرام وفيسبوك على سبيل المثال”.
يجب أن يتم العمل على تحقيق التنوع والشمولية على مستوى مؤسساتي أيضاً، وهذا يشمل بالنسبة لإبتي ”إغناء المؤسسات بالتنوع من خلال الملونين، بتوظيف أشخاص من مختلف الخلفيات والفئات العمرية والخبرات المعيشية. من المهم إتاحة الفرص أمام الملوّنين والقادمين الجدد والمجتمعات التي يتم غالباً تجاهلها أو إقصاؤها. حان الوقت لأن تبدأ المؤسسات بالسعي لتحقيق التنوع والشمولية، وجعلها صيغة عمل مستمرة وسياسة رسمية متبعة في مكان العمل. لقد أيقظ مقتل جورج فلويد كثيراً من الناس والشركات والمؤسسات والمنظمات المجتمعية. لكن لا يجب أن نتحرك فقط بسبب ما نشاهده من أخبار على الشاشات. الوقت مناسب دائماً لتحمل المسؤولية والاستمرار ببذل المزيد من الجهود. خلال فترة التضامن مع السُّود إثر مقتل فلويد والتوتر العنصري الذي رافق ذلك في الولايات المتحدة كان هناك معرض يرغب بنشر عمل لفنان أسود على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة به، لكن ما كان صادماً بالنسبة للقائمين عليه هو إدراكهم حينها بأنهم لا يمتلكون أية أعمال لفنانين سود. هذا المثال يشرح ضرورة العمل من أجل سدِّ مثل تلك الفجوات في النظرة إلى السُّود أولاً، إذا أردنا أن نصل حقاً إلى تحقيق الشمولية والتنوع“.